نساء غزة على أرصفة الألم.. بين خطر البتر وذلّ الانتظار

معاناة النساء في غزة
معاناة النساء في غزة

غزة/ البوابة 24 – سهاد راضي:

في غزة، حيث تغطي أنقاض الدمار الشوارع ويرتفع الغبار في كل مكان، تتحول رحلات النساء اليومية إلى معارك متكررة.  لا نقل آمن أو خصوصية، فقط عربات تجرها الحيوانات أو تُسحب بسيارات تسير على طرق وعرة وأرصفة مهدمة تبتلع الخطى.

 وسط زحام خانق، تعاني النساء من أذى جسدي ونفسي، وتُهدر ساعات في انتظار لا ينتهي. المواصلات ليست مجرد انتقال، بل رحلة ألم وخذلان تثقل كاهل آلاف النساء اللواتي يواصلن الصمود رغم كل الصعاب.

مواصلات1.jfif
 

رحلة يومية محفوفة بالمخاطر

تروي عبلة العلمي أن المواصلات في غزة شبه معدومة، وغالبًا ما تضطر للمشي حوالي ثلاثة كيلومترات وسط أنقاض الطرق والركام لتصل إلى وسيلة نقل. وتقول: "غالبًا ما أجد أمامي عربات تجرها الحيوانات، لا توفر الأمان ولا الخصوصية."

وتضيف العلمي أن رحلتها الأخيرة مثلا إلى مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، والتي لا تستغرق عادة أكثر من ربع ساعة، استغرقت معها ساعات طويلة من الانتظار والرحلة بسبب الظروف الصعبة.

وتشير  إلى أن تكلفة المواصلات مرتفعة بشكل غير طبيعي، حيث يذهب نصف راتبها عليها، بالإضافة إلى عمولات تتجاوز 50%، وسط نقص مستمر في السيولة. تعكس معاناة عبلة واقع آلاف النساء في غزة، حيث تتحول المواصلات إلى عبء إضافي في حياتهن المليئة بالتحديات.

مواصلات 5.jfif
 

معاناة صحية تتفاقم مع كل خطوة

تواجه السيدة ريما السيد، وهي في الخمسين من عمرها، تحديات يومية مضاعفة في ظل واقع المواصلات المتردي في غزة. فإلى جانب إصابتها بمرض السكري وهشاشة العظام، تعاني ريما من حالة طبية نادرة تُعرف بـ"قدم شاركوت" – وهي إحدى مضاعفات السكري التي تُضعف عظام القدم وتشوّه شكلها، ما يجعلها عرضة للكسر حتى من أقل صدمة.

تقول السيد : "يطلب مني الأطباء التزام الراحة التامة، ولكن كيف لي بذلك والمواصلات شبه معدومة؟ فأنا مضطرة لمراجعة الطبيب كل أسبوع، وأقطع مسافات طويلة سيرًا على الأقدام حتى أعثر على سيارة أو حتى عربة تقلّني."

وتُضيف أن الخطر لا يكمن فقط في وعورة الطرق أو المسافات البعيدة، بل أيضًا في أن أي التواء أو ضربة بسيطة في القدم قد يُعرضها للبتر. كما أن هشاشة عظامها تجعل من أي سقوط أو اصطدام خفيف احتمالًا خطيرًا للكسر، خاصة في ظل غياب وسائل نقل مهيأة وآمنة.

وتتابع: "كل خطوة بمشيها فيها رعب. رعب من البتر، ورعب من الكسر، ورعب من ما ألاقي وسيلة توصلني." ريما واحدة من مئات النساء في غزة اللواتي تُشكل المواصلات لهن تهديدًا على صحتهن، بدل أن تكون وسيلة للوصول الآمن للعلاج والحياة.

مواصلات 4.jfif
 

استقلالية مفقودة

تقول السيدة نبيلة بكرون، معلمة كفيفة بالكامل، إن الحرب لم تحرمها فقط من أمان الطرق وهدوئها، بل سلبتها استقلاليتها التي كانت تعتز بها قبل اندلاع العدوان.   قبل الحرب، كانت تتنقل بحرية تامة دون الحاجة إلى مرافق، تستقل المواصلات بمفردها وتدير شؤونها اليومية بثقة. أما اليوم، فأبسط رحلة تحتاج فيها إلى مرافقة دائمة، حتى لو للحظة واحدة، ما جعلها تشعر بفقدان جزء من كيانها وحريتها.  

وتضيف بكرون أن واقع المواصلات في غزة بدائي وغير آمن، ما يجبرها على قطع المسافات القصيرة سيراً مع مرافق، والبحث الشاق عن مركبة للمسافات الطويلة، التي غالباً ما تكون غير مجهزة أو تجرها حيوانات.  

وتتابع: "الطرق مدمرة، الشوارع مكسرة، والركام يملأ المكان، إضافة إلى مياه الصرف الصحي والقاذورات التي تعيق التنقل. أحياناً أغوص في ما لا أستطيع تمييزه، بسبب إعاقتي البصرية. القمامة والزحام يزيدان الوضع سوءاً، والمركبات البدائية قد تصيبني بالإصابة أو الارتباك أثناء المشي."  

في غزة، لا تُقاس المسافات بالكيلومترات، بل بما تحمله من وجع، كل خطوة على الطرق المدمرة هي صراعٌ يومي مع الركام والخذلان، وبين الانتظار والعربات المتهالكة، تبقى النساء في سباقٍ مرير نحو حياة لا تنتظر.

 

البوابة 24