محرمات الصحافة وهشاشتها الخفية

نداء يونس

 كثيرًا ما يكتب الصحفيون في الغرب عن المعيقات التي تواجه المهنة: الأجور الزهيدة، هشاشة ظروف العمل، الرغبة في الظهور، تراجع الصحافة التقليدية باستثناء الاستقصائية وصناعة المحتوى، فضلًا عن الخوف من الانتقاد. تكشف هذه التحديات ضعف البنية المهنية، لكنها تبقى في إطار النقاش العام المعترف به على نطاق واسع. أما في العالم العربي، فالمشهد أكثر تعقيدًا.

فإلى جانب هذه المعيقات، يواجه الصحفيون واقعًا أشد قسوة: القمع البوليسي، الاغتيال بالصواريخ الموجهة، وبيئة إعلامية مقسومة. فهناك صحافة معلبة تمثل خطاب الحكومات وتمسخ الإعلام في خبر وصورة واستعراض يحصر النجاح في عدد الإعجابات واللايكات، والخبر في موضوعات الحد الادنى من الاشهار والدفع باتجاه عبادة الشخوص - والتي هي أصلا بلا قيمة معرفية أو نقدية؛ وصحافة عمومية تكتفي بالترفيه والمشهدية وإعادة نشر ما يصلها في غياب المساءلة، ما ينتج إعلامًا غير حر، بل خطابا هشا ومسيطرا عليه ولا يقدم أي معلومة. لكن الأخطر هو ما يمكن وصفه بـ المحرمات الداخلية في المهنة.

إذ نادرًا ما يجرؤ الصحفيون على فضح هشاشة ظروف عملهم أو طرحها للنقاش العام. فالخوف على السمعة يمنع الكثيرين من النقد الداخلي، خشية أن يُنظر إليهم وكأنهم يهاجمون مؤسساتهم، تُستقى المعلومات من المكاتب وبيانات معدة سلفا بدل النزول إلى الميدان. وفوق ذلك كله، تفرض ديكتاتورية الخوارزميات وديكتاتورية الشخوص معايير جديدة للنجاح، تجعل عدد الإعجابات هو المقياس، حتى وإن كان الخبر بلا قيمة حقيقية. هذه الظروف تفتح الباب أمام ممارسات غير أخلاقية: النسخ، اللصق، وإعادة الصياغة السطحية، ما يؤدي في النهاية إلى فقدان الشغف بالصحافة والندم على ممارستها.

إن هشاشة الصحافة اليوم لا تأتي فقط من الخارج عبر القمع والسياسة والتكنولوجيا، بل أيضًا من الداخل عبر واقع مهني صعب يندر الاعتراف به علنًا. وهنا تكمن المعضلة: كيف يمكن للصحافة أن تفضح العالم، وهي عاجزة عن فضح هشاشتها الخاصة؟ ------- هذه اقتباسات من مقال ديانا لوبيز زويلتا المنشور تحت عنوان " محرمات الصحافة.. هشاشتها التي لا يجرؤ على فضحها أحد" - مرفق في الرابط الأول.

يلاحظ أنه مع تحرير بسيط، يمكن لكل شخص ان يقول أن هذه الاقتباسات تمثله: لكن هناك اكثر مما يصعب ان نفضح هشاشته. - "لكن أحدا منا نحن الصحفيين لا يجرؤ على فضح ظروف عملنا الهشة، أو حتى طرحها للنقاش العام" - "هذه وظيفة تعتمد على السمعة كثيرا، وأخشى أن يؤثر انتقادي ظروف العمل في هذا القطاع على سمعتي، سيظنون أنني أنتقد المؤسسة نفسها التي أعمل لديها، وهذا سيسبب لي مشكلة كبيرة، لكن من حق الجميع أن يفعل ذلك" - إن إفقار هذه المهنة، متمثلا في أجورها الزهيدة، يحفز على اللجوء إلى "استقاء المعلومات من على أسطح المكاتب، بدلا من الذهاب إلى مسرح الأحداث، كما ينبغي أن يكون العمل" - "بات يُنظر إلى عدد الإعجابات على خبر ما باعتباره علامة النجاح حتى لو كان بلا أي قيمة، إنه العمل تحت ديكتاتورية الخوارزمية" - "... مرغما على ممارسات غير أخلاقية في الصحافة، وفي آخر الأمر أصابه الندم؛ ليس لأن الرواتب سيئة فحسب، بل لأن الأمر ينتهي به محاصرا في قاعة التحرير، أو خلف مكتب في المنزل، ينسخ نصوصا ويلصقها بعد تغيير عناوينها أو يجري تقديما وتأخيرا لبعض الجمل والكلمات".

الصورة تعبيرية رغم ارتباطها المباشر بمجزرة الصحفيين أمس في غزة حيث أعلنت المصوّرة الصحفية الكندية فالييري زينك استقالتها من وكالة رويترز بعد ثماني سنوات من العمل، احتجاجًا على ما وصفته بـ"تواطؤ الوكالة مع الدعاية الإسرائيلية" وتبريرها المتكرر لجرائم قتل الصحفيين في غزة، من خلال كسر البطاقة، ما يفضح هشاشة الانحياز ضد الضحية لانه فلسطيني. الملاحظ أن كسر هشاشة الصحافة يبقى ممارسة غربية غالبا ...

البوابة 24