إسرائيل في مواجهة العالم الاقتصاد ينهار والدبلوماسية تتراجع

بقلم محمد جمال صوالي مراقب للسياسات الدولية غزة – فلسطين

تعيش إسرائيل اليوم عزلة اقتصادية غير مسبوقة، تتكثف مع استمرار الحرب على غزة، وتنعكس في تراجع حاد في علاقاتها الدولية، وانكماش داخلي يهدد استقرارها السياسي والاقتصادي. فدول كانت تُعتبر حليفة تقليدية، مثل بريطانيا وفرنسا، بدأت بمراجعة علاقاتها التجارية والدبلوماسية معها، ما يضعف موقفها في المحافل الدولية ويكشف هشاشة تحالفاتها الاستراتيجية. هذه المراجعات لم تبقَ في إطار التصريحات، بل ترجمت إلى خطوات عملية، حيث أوقفت دول مثل بريطانيا، إسبانيا، وكندا تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، وبدأت بإعادة تقييم الاتفاقيات التجارية الثنائية، في مؤشر واضح على تآكل الثقة الدولية في سياسات الحكومة الإسرائيلية. في الداخل، تستغل المعارضة، بقيادة يائير لابيد، هذه الأزمة لتوجيه انتقادات حادة لسياسات بنيامين نتنياهو، معتبرة أن العزلة الاقتصادية والدبلوماسية ليست نتيجة الحرب فقط، بل انعكاس مباشر لسوء الإدارة، وغياب الرؤية الاستراتيجية، وتغليب الخطاب الأمني على المصالح الوطنية. هذا التصدع السياسي الداخلي يتزامن مع انهيار في الثقة الاقتصادية، حيث يواجه رجال الأعمال الإسرائيليون صعوبات متزايدة في إبرام الصفقات، وسط رفض متنامٍ للتعامل معهم في الأسواق الأوروبية، ما أدى إلى شلل جزئي في قطاعات حيوية مثل التكنولوجيا والصناعة. الاستثمارات الخارجية تراجعت بنسبة 60%، وهو رقم صادم يعكس حجم الانكماش، فيما فقد الشيكل الإسرائيلي جزءًا كبيرًا من قيمته، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، وتراجع القدرة التنافسية للمنتجات الإسرائيلية في الأسواق العالمية. القطاع الزراعي لم يكن بمنأى عن هذه الأزمة، إذ ارتفعت أسعار المنتجات بنسبة 25% عن المعدلات العالمية، وسط ركود في الإنتاج، وتراجع القدرة على التصدير، ما ينذر بأزمة غذائية داخلية محتملة، ويزيد من الضغط على الحكومة التي تبدو عاجزة عن تقديم حلول فعالة. في ظل هذا المشهد، تتجه إسرائيل نحو مزيد من الانغلاق، محاولة الاحتماء بخطاب "الاعتماد على الذات"، الذي يطرحه نتنياهو كبديل عن العلاقات الدولية المتآكلة. لكن هذا الخطاب لا يجد صدى واسعًا في الداخل، حيث تتزايد المطالب بإعادة النظر في السياسات الخارجية، ووقف التصعيد العسكري، والبحث عن حلول سياسية تنقذ البلاد من العزلة المتفاقمة. في المقابل، يبدو أن العالم يفتح نوافذه أكثر على صوت غزة، وعلى الرواية الفلسطينية التي طالما حاولت إسرائيل تهميشها. فصور الركام، وشهادات الصمود، والمقاطع التي توثق لحظات الفقد والنجاة، باتت تتصدر المشهد العالمي، وتعيد تشكيل الوعي الدولي تجاه القضية الفلسطينية، ليس فقط كصراع سياسي، بل كقضية إنسانية وأخلاقية بامتياز. إن ما يحدث اليوم ليس مجرد أزمة اقتصادية، بل لحظة مفصلية قد تعيد تشكيل موقع إسرائيل في العالم، وتفتح الباب أمام الفلسطينيين لتعزيز حضورهم الدولي، واستثمار هذا التحول في المواقف العالمية لصالح قضيتهم. وبينما تحاول إسرائيل الانغلاق خلف خطاب أمني متشدد، تتسع نوافذ العالم أمام صوت الضحية، الذي يطالب بالعدالة، ويُعيد تعريف معنى الإنسانية في زمن القتل الجماعي. هذه اللحظة قد تكون بداية لتحول جذري في موازين الخطاب الدولي، حيث لا يُقاس الحق بالقوة، بل بالقدرة على الصمود، وعلى إيصال الحقيقة رغم الحصار.

البوابة 24