بقلم: فطين عبيد
الإعتراف بالدولة الفلسطينية بقرار الأمم المتحدة وخطاب فخامة الرئيس الفلسطيني محمود عباس هو ثمرة الدبلوماسية الفلسطينية التي تضاعفت تحركاتها بعد السابع من أكتوبر، استكمالاً لجولاتها الماراثونية التي بدأتها منذ توقيع اتفاق أوسلو نهاية عام 1993 وقيام السلطة الفلسطينية. الشارع الفلسطيني لا يعلق آمالاً على هذا الاعتراف، كما لا يعلق آمالاً على إعتراف العالم بالدولة الفلسطينية على المدى القريب، طالما بقي يتولول ويتذمر من ظروف اقتصادية تقترب من المجاعة تضرب الضفة، تزامناً مع تهديد الاحتلال المتواصل بضم الضفة وشطب السلطة الفلسطينية. شح رواتب القطاع الحكومي ومنح الموظفين بالغالب نصف الراتب، واغلاق دخول عمال الضفة للداخل الفلسطيني "إسرائيل"، والأهم تنصل الاحتلال وعدم اكتراثه من أية معاهدات دولية، تجعل من الاعتراف مجرد قرار على الورق مثل عشرات القرارات غير المطبقة. وأي قرارات لصالح الاعتراف بدولة فلسطينية ربما تقابل بتنكيل جديد ضد مواطني الضفة، الوضع الاقتصادي تتضاعف كوارثه يومياً، بسبب منع الاحتلال عبور العمال الفلسطينيين إلى اسرائيل للعمل. ويتزايد العبء بسبب عدم تحويل "المقاصة" للسلطة الفلسطينية ما يحرم الفلسطينيين من الحصول على رواتبهم، والاعتراف يدفع ثمنه المواطن الفلسطيني بحزمة عقوبات إضافية يفرضها الاحتلال. تشمل العقوبات الجائرة تهميش السلطة الفلسطينية واضعافها، ومواصلة الاحتلال تكثيف الحواجز لعرقلة حركة التجارة، ما يزيد كلفة نقل أية بضائع داخل الأسواق الفلسطينية، ما يتسبب بتزايد الركود الاقتصادي وتفشي الفقر. ولا يستبعد الشارع الفلسطيني سيطرة الإحتلال الكاملة على جميع مناطق السلطة الفلسطينية "أ ب ج"، وربما حتى مداهمة مقرات السلطة العسكرية والمدنية، مع أنها لا تشكل أي خطر عليهم، وفرض واقع جديد يشبه ما كان قبل "أوسلو" بعقوبات أكثر قسوة منها وقف عصب الحياة اليومية في فلسطين بقطع الماء والكهرباء والمشتقات النفطية، ما يتسبب بوقف المركبات وتحويل المناطق الفلسطينية لبيئة معزولة غير قادرة على الحياة. الاحتلال استبق اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين، وبدأ بنصب عشرات البوابات الحديدية وبألوان مختلفة على عشرات القرى ومفارق الطرق، ما رفع عدد البوابات التي تخنق الفلسطينيين العزل إلى 1100 بوابة، كما بدأ بتجريف مساحات الأراضي لبناء بؤر استيطانية ومستوطنات جديدة، لتحويل جميع المناطق الفلسطينية إلى "كنتونات" صغيرة، تتحكم في مداخلها ومخارجها البوابات، كما زاد من وتيرة الاعتقالات اليومية بحق المواطنين وبعض الرموز الوطنية. وربما تشمل العقوبات مداهمة المصانع الفلسطينية على نمط مداهمة المصارف ومصادرة الأموال، وربما تقوم كذلك مجموعات المستوطنين بتكثيف هجماتها على الفلسطينيين، التي بدأت بعد السابع من أكتوبر بحرق موسم الحصاد للفلسطينيين، وسرقة خرافهم وحلالهم كما حدث في المغير، دير دبوان، مسافر يطا، ومناطق عدة من الضفة، ومع اقتراب موسم الزيتون الذي يعد عصب الحياة يتضاعف الخوف لدى الفلسطينيين من هجمات محتملة من المستوطنين والجيش لمنعهم من الموسم. وخلال حوارنا مع عدد من رجال الأعمال في عدد من مناطق الضفة الغربية عن التخوفات المتوقعة قال نضال خلف من مدينة رام الله: إن بعض رجال الأعمال من صالحهم التعامل مباشرة مع موارد ومصادر التجارة في إسرائيل لضمان أعلى ربح مضمون ..لأن الاقتصاد الاسرائيلي بالتأكيد أقوى مقارنةً من الاقتصاد في الضفة. وبدأت السلطة الفلسطينية العمل على تجنيد أموال واستثمارات من مصادر جديدة على رأسها مخاطبة الدول الداعمة ونجحت بالفعل في الحصول على قرار من السعودية وفرنسا والنرويج واسبانيا بمنح السلطة الفلسطينية ٢٠٠ مليون دولار شهريا طوال الأشهر الستة المقبلة لمنع انهيارها. والمخاوف الحقيقية فهي على التاجر البسيط والشركات والمصانع الصغيره والمعامل، لأن شراء المواد الخام يتأثر حسب المصدر. فيما قال رجل الأعمال من منطقة سلفيت علي القاق: "إنه أجل معظم المشاريع والاتفاقات في المرحلة الحالية انتظاراً لما تفرزه الأيام المقبلة، مبيناً أن المعظم تكيف بصعوبة مع سوء الوضع كون المبيعات في تناقص". وبين أن سياسته الإبقاء على الوضع الحالي، وعدم التورط في أنشطة ومشاريع كبيرة ومسك العصا من الوسط وانتظار مخرجات الفترة المقبلة هو أفضل حل لأن تأجيل المشاريع وترقب.