نحو مرحلة انتقالية وطنية شاملة: مكافحة الفساد وتفعيل الرقابة وتشكيل حكومة مستقلة تمهد لقيام الدولة الفلسطينية
المحامي علي أبو حبلة – رئيس تحرير صحيفة صوت العروبة
تعيش الساحة الفلسطينية مرحلة دقيقة تتطلب إعادة النظر في بنية النظام السياسي والإداري، في ظل استحواذ السلطة التنفيذية على صلاحيات المجلس التشريعي في ظل غياب المجلس التشريعي، وتعطل أدوات الرقابة والمساءلة. هذه المرحلة تستوجب مقاربة وطنية مسؤولة، تتجاوز الحسابات الفصائلية، وتضع أسسًا صلبة للانتقال من السلطة إلى الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، على قاعدة سيادة القانون أولًا: مكافحة الفساد كأولوية وطنية أصبحت مكافحة الفساد ضرورة وطنية لا تحتمل التأجيل، لما له من آثار مدمّرة على مؤسسات الدولة، وعلى ثقة المواطن بالنظام السياسي، وعلى صورة القضية الفلسطينية أمام العالم. فالفساد، بمظاهره المختلفة من المحسوبية والواسطة واستغلال النفوذ والمال العام، أدى إلى هدر الموارد وتقويض العدالة الاجتماعية، وأضعف منظومة الإدارة العامة. ولذلك، لا بد من تفعيل هيئة مكافحة الفساد، وتحريك جميع الملفات الراكدة أمام القضاء، وضمان استقلال النيابة العامة في التحقيق والملاحقة، بما يتوافق مع القانون الأساسي الفلسطيني واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2003، التي التزمت بها فلسطين رسميًا منذ عام 2014. إن محاربة الفساد لا تتحقق بالشعارات، بل بإرادة سياسية واضحة، وبآليات مؤسساتية تضمن الشفافية والنزاهة والمساءلة، وتكفل خضوع الجميع — دون استثناء — لمبدأ سيادة القانون والمحاسبة. ثانيًا: الفراغ التشريعي واستحواذ السلطة التنفيذية على سلطة التشريع والفراغ الدستوري منذ تعطيل المجلس التشريعي الفلسطيني، تعيش الحياة السياسية في حالة اختلال في مبدأ الفصل بين السلطات، ما سمح بتوسع نفوذ السلطة التنفيذية في غياب الأطر الرقابية الفاعلة. وقد أدى هذا الوضع إلى إضعاف الرقابة المؤسسية، وإلى تراكم القرارات الإدارية والمالية دون رقابة أو مساءلة، ما يهدد مبدأ المشروعية الدستورية ويفتح الباب أمام الخلل في استخدام الصلاحيات إن هذا الواقع يفرض تشكيل مجلس استشاري وطني انتقالي، يضم ممثلين عن الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية والمستقلين والمجتمع المدني والنقابات المهنية، ليضطلع مؤقتًا بمهام الرقابة والتشريع إلى حين إجراء الانتخابات العامة، وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس ديمقراطية. ثالثًا: حكومة وطنية مستقلة للمرحلة الانتقالية إن معالجة الأزمة البنيوية التي يعيشها النظام السياسي الفلسطيني تستدعي تشكيل حكومة وطنية مستقلة، تضم كفاءات مهنية من جميع أطياف الشعب الفلسطيني، تكون مهمتها الأساسية توحيد الجغرافيه الفلسطينية والمؤسسات الحكومية والإشراف على المرحلة الانتقالية وبسط السيادة الوطنية الفلسطينية على كافة الاراضي الفلسطينية استنادا لقرارات الشرعية الدولية، وضمان تهيئة المناخ السياسي والإداري لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية حرة ونزيهة، تعيد للشعب حقه في اختيار ممثليه وتجديد الشرعية الوطنية. هذه الحكومة ينبغي أن تكون محايدة، مستقلة، خاضعة للرقابة العامة، وتعمل وفق برنامج وطني موحد يركز على: 1. إصلاح مؤسسات السلطة ومراجعة هياكلها المالية والإدارية. 2. تعزيز سيادة القانون واستقلال القضاء. 3. ضمان الشفافية في إدارة المال العام. 4. وضع خطة وطنية لمكافحة الفساد بمؤشرات قياس ومتابعة دورية. 5. تحضير البيئة السياسية والأمنية للانتقال إلى الدولة الفلسطينية المستقلة. رابعًا: نحو نظام سياسي جديد قائم على الشراكة والمساءلة إن بناء الدولة الفلسطينية لا يمكن أن يقوم على نظام مغلق ، بل على شراكة وطنية حقيقية بين مختلف القوى، تُعيد الثقة للمواطن وتؤسس لحكم راشد خالٍ من الفساد وترسي وترسخ مبادئ سيادة القانون والفصل بين السلطات إن إشراك كل أطياف المجتمع الفلسطيني في صياغة المرحلة المقبلة ليس ترفًا سياسيًا، بل ضرورة وجودية لضمان وحدة القرار الوطني، وتحصين الجبهة الداخلية أمام الضغوط الخارجية، في ظل استمرار الاحتلال ومحاولاته تقويض المشروع الوطني. وعليه، فإن المرحلة القادمة يجب أن تكون مرحلة إصلاح جذري ومساءلة شاملة، يتم فيها تفعيل الرقابة على الأداء الحكومي، ومراجعة كل ملفات الفساد والإثراء غير المشروع، واستعادة الأموال العامة المنهوبة، وإخضاع كافة المشاريع ومؤسسات المجتمع المدني لرقابة صارمه تمهيدًا لبناء مؤسسات دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعدالة وشفافية. خاتمة إن التحدي الحقيقي أمام الفلسطينيين اليوم ليس فقط مواجهة الاحتلال، بل بناء الذات الفلسطينية على أسس القانون والنزاهة والمسؤولية. فدولة فلسطين لن تقوم إلا على ركائز العدالة والمساءلة وتكافؤ الفرص، ولن تكتسب احترام العالم ما لم تُحكم بمنظومة قيمية وأخلاقية ومؤسسية تحترم الإنسان وحقوقه وكرامته وتقوم على المساواة ومبدأ سيادة القانون والحوكمه إن تشكيل حكومة وطنية مستقلة ومجلس استشاري انتقالي يمثلان حجر الزاوية في خطة إصلاح وطني شاملة تمهد الطريق نحو الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، دولة المؤسسات والقانون التي تحمي المواطن وتخضع الجميع للمساءلة دون تمييز.