اتفاق وقف إطلاق النار في شرم الشيخ: تحليل دقيق لأبعاد سياسية واستراتيجية

إعداد: المحامي علي أبو حبلة

توصلت الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية، برعاية مصرية، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في مدينة شرم الشيخ، بعد أيام من تصعيد عسكري شديد، خلف وراءه خسائر بشرية ومادية فادحة، وعاد بإشارات إلى هشاشة الأمن الإقليمي. يمثل الاتفاق محطة مهمة، لكنها، كما يؤكد المثل الدبلوماسي، "الشيطان يكمن في التفاصيل"، إذ تعتمد فعاليته على التزام الأطراف بتنفيذ بنوده بدقة، وعلى الدور الرقابي للضامن الأمريكي. الخلفية والتطورات الأخيرة شهدت الساحة الفلسطينية تصعيدًا غير مسبوق، مع غارات إسرائيلية مكثفة وردود عسكرية من الفصائل في قطاع غزة، ما دفع مصر للتدخل السريع كوسيط تقليدي يمتلك القدرة على التواصل مع الأطراف كافة، وإقناعها بالعودة إلى طاولة المفاوضات. هذه التحركات تأتي في ظل ضغوط دولية متصاعدة، خصوصًا من الولايات المتحدة وأوروبا، التي تسعى لوقف نزيف الدم وفتح مسارات دبلوماسية مستقرة. بنود الاتفاق الأساسية يشمل الاتفاق عدة عناصر رئيسية، مصممة لتقليل التصعيد العسكري وخلق بيئة مناسبة للحلول السياسية: 1. وقف كامل للأعمال القتالية على جميع الجبهات. 2. تبادل الأسرى والمعتقلين وفق آلية محددة زمنياً. 3. فتح المعابر الإنسانية لتسهيل دخول المواد الأساسية والأدوية إلى قطاع غزة. 4. آلية رصد دولية لضمان الالتزام، وهو محور "الشيطان في التفاصيل"، إذ يعتمد نجاح الاتفاق على دقة هذه الآليات وتطبيقها الفعلي. دور الضامن الأمريكي أضفى وجود الولايات المتحدة كـ"ضامن" للاتفاق بعدًا إستراتيجيًا حاسمًا، فهو لا يقتصر على الوساطة، بل يمتد إلى الضغط السياسي والديبلوماسي على الأطراف لضمان الالتزام الفعلي: لإسرائيل: يشكل الضغط الأمريكي رادعًا لأي خرق محتمل للاتفاق، مع ضمان تقديم المساعدات الإنسانية والسياسية مقابل الالتزام. للفصائل الفلسطينية: يوفر دعمًا لضمان عدم الانزلاق إلى التصعيد العسكري، ويؤكد إمكانية التوصل إلى حلول سياسية ضمن إطار دولي مقبول. الأبعاد السياسية والاستراتيجية 1. الاستقرار الإقليمي: الاتفاق يخفف من احتمال توسع النزاع ليشمل مناطق أخرى في الشرق الأوسط. 2. تعزيز الدور المصري: يثبت قدرة القاهرة على إدارة الأزمات الإقليمية، ويعزز مكانتها كوسيط محوري. 3. الضغط الدولي على الأطراف: يسلط الضوء على التزام إسرائيل بالقانون الدولي وحقوق الإنسان، ويضع الفصائل الفلسطينية تحت مراقبة لضمان الالتزام بوقف إطلاق النار. 4. إعادة ترتيب المشهد الداخلي الفلسطيني: يتيح للفصائل فرصة ترتيب أولوياتها السياسية بعيدًا عن النزاع العسكري المباشر. التحديات تنفيذ الاتفاق: يبقى التحدي الأكبر في آلية المراقبة وضمان التزام الطرفين بكل بند، خصوصًا البنود الحساسة المتعلقة بتبادل الأسرى وفتح المعابر. التوتر الداخلي: قد تؤدي الخلافات بين الفصائل الفلسطينية إلى صعوبة التطبيق الكامل للاتفاق. الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية: أي خرق للاتفاق قد يعيد التصعيد العسكري، ويهدد استقرار المنطقة. خلاصة اتفاق وقف إطلاق النار في شرم الشيخ خطوة إيجابية، لكنه هش جدًا، ويعتمد نجاحه على الدقة في تطبيق التفاصيل والآليات، وكذلك على الدور الرقابي الضامن من الولايات المتحدة. يبقى الاتفاق فرصة لتقليل الخسائر البشرية والمادية، وفتح نافذة دبلوماسية لإعادة ترتيب أولويات الأطراف، لكنه أيضًا تذكير بأن التفاصيل الصغيرة هي التي تصنع النجاح أو الفشل في أي عملية سياسية أو عسكرية.

البوابة 24