بين النار والدخان: نساء غزة الحوامل يكافحن من أجل البقاء

غزة/ البوابة 24ـ انعام عاهد فروانة 

تجلس مها، النازحة من بيت حانون، أمام فرن الطين في مخيمها المؤقت في مواصي خان يونس، وهي حامل في شهرها السادس، تكدّ بيديها المتشققتين لتخبز ما يسد رمق أطفالها وزوجها المصاب. حرارة النار تلفح وجهها، والدخان الأسود الناتج عن حرق النايلون والملابس القديمة يخنق أنفاسها، لكنها تواصل العمل بصمتٍ مثقل بالألم، وقدماها المتورمتان وظهرها المنهك لا يمنعانها من الوقوف ساعات طويلة، لأن الجوع لا ينتظر، والجنين في رحمها يحتاج الحياة وسط الرماد.

فرضت ظروف الحرب على الكثير من النساء العمل في ظل ظروف صعبة للغاية، وخاصة النساء الحوامل اللواتي وجدن أنفسهن مسؤولات عن أسرهن نتيجة فقدان أو إصابة أزواجهن، بحيث لم يعد أمامها إلا العمل لتوفير لقمة العيش في واقع يؤثر على صحتهن وحياة جنينها. وهنا يظهر صمود هؤلاء النساء اللواتي يسعين يوميًا للحفاظ على حياة أسرهن رغم الألم والإرهاق.

الفرن يطعم العائلة

أسماء العطار، نازحة في دير البلح وحامل في شهرها الخامس بعد ما فقدت كل شيء في الحرب وأُصيب زوجها، "تروي للبوابة 24": بعد إصابة زوجي وعجزه عن العمل، لم يكن أمامي خيار سوى أن أتحمّل المسؤولية. قررت أن أبدأ مشروعًا صغيرًا في صناعة الخبز على فرن الطين، لأتمكن من تأمين لقمة العيش لعائلتي. وعلى الرغم من أنني حامل والإرهاق يثقل كاهلي، فإنني مضطرة للاستمرار، إذ لا يوجد بديل آخر يضمن لنا البقاء.

وتضيف: "أستيقظ كل يوم في الساعة السادسة صباحًا، وأبدأ بتسخين الفرن مستخدمة الشرائط والنايلون والملابس القديمة بدلًا من الحطب، لأن سعر الكيلوغرام الواحد بلغ 12 شيكل، ولا أستطيع شراءه. الدخان الأسود يملأ المكان، فنختنق وأشعر أنني لا أستطيع التنفس، لكنني أواصل العمل رغمًا عني."

وتتابع: "الجلوس الطويل على الأرض يرهقني، فتتورم قدماي ويؤلمني ظهري، وفي نهاية اليوم أفقد الإحساس بهما من شدة التعب. وعلى الرغم من كل هذا الإرهاق، أنا من تغسل بيدي وتطبخ على النار، ومع ذلك أتحمّل، لأنني مضطرة لنواصل الحياة أنا وزوجي وأطفالي."

بين الدخان والرمال

إيمان أبو شعبان، نازحة في دير البلح وحامل في شهرها السادس، وجدت نفسها أمام واقع قاسٍ بعد أن فقد زوجها مصدر دخله خلال الحرب. لم يكن أمامها سوى أن تحاول تأمين لقمة العيش بيديها، فبدأت مشروعًا صغيرًا داخل المخيم الذي تسكنه، تخبز فيه على فرن الطينة لتوفير بعض المال لعائلتها.

تقول بصوتٍ منهك وهي تمسح العرق عن جبينها قرب النار المشتعلة: "لم أتخيل يومًا أنني، وأنا حامل، سأصل إلى هذه المرحلة، أعمل وسط الدخان والحرارة، لكن الحرب دفعتنا لفعل المستحيل كي نبقى على قيد الحياة."

رغم إرهاق جسدها وثقل حملها، تمضي ساعاتٍ طويلة يوميًا جالسةً على الأرض تشعل النار، في وقتٍ بات فيه الحطب نادرًا ومرتفع الثمن. تضطر إلى استخدام قطع البلاستيك والنايلون بدلًا من الخشب لإشعال الفرن، مما يملأ المكان بدخانٍ أسود كثيف يخنق الأنفاس. وتوضح قائلة: "الدخان يخنقني، أشعر أنني على وشك الاختناق، صدري يؤلمني ورأسي يدور". ظهرها مثقل بالحمل، ويداها متشققتان من أثر العمل والحرارة، ومع نهاية اليوم، بالكاد تقوى على الوقوف من شدة التعب.

وتقول: "في نهاية النهار تتورم قدماي، وأشعر أنني عاجزة عن الحركة، لكنني أواصل العمل، كي لا يُحرم طفلي الذي أحمله من الطعام."

أضرار على الجنين

من جانبه يؤكد الدكتور ماهر سعدي عجور، استشاري أمراض النساء والعقم وأطفال الأنابيب، أن الحرب فرضت على كثير من النساء الحوامل ظروفًا غير تقليدية وصعبة، من بينها الجلوس لساعات طويلة أمام أفران الطينة والنار.

يوضح عجور أن هذا التعرض المباشر للحرارة المرتفعة، سواء من الشمس أو من النار، يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة جسم الحامل، مما يسبب الدوار والدوخة والإرهاق، خاصة عند نقص السوائل في الجسم. ويشير إلى أن ارتفاع درجة حرارة الجسم بشكل متكرر قد يسبب أضرارًا على الجنين والأم معًا، وخصوصًا في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، وهي المرحلة التي تتشكل فيها الأجهزة والأعضاء الحيوية لدى الجنين، مما يزيد من خطر حدوث تشوهات أو مضاعفات في الحمل.

الغازات السامة

ويضيف أن الخطر الأكبر يتمثل في استنشاق الغازات السامة الناتجة عن احتراق البلاستيك والملابس والأحذية، التي يضطر السكان لاستخدامها بدلاً من الحطب بسبب ارتفاع ثمنه. ويشرح أن احتراق هذه المواد يفرز غاز أول أكسيد الكربون، وهو غاز سام يمنع وصول الأكسجين إلى دم الأم والجنين.

ويؤكد أن نقص الأكسجين يؤدي إلى تعب دائم، صداع، دوخة، آلام في أسفل البطن والظهر، وقد يتسبب في انخفاض وزن الجنين ونقص كمية الدم الواصلة إليه. ويكشف أنه خلال متابعته لحالات عدة في الفترة الأخيرة، لاحظ وجود تشوهات واختلافات في نمو الأجنة نتيجة التعرض لهذه الظروف القاسية.

ويختتم عجور حديثه بالتنبيه إلى ضرورة توخي الحذر، خصوصًا في الفترات الأولى من الحمل، وتجنب استنشاق الدخان والغازات، مع أهمية مراجعة الطبيب فور الشعور بأي أعراض غير طبيعية.

البوابة 24