أكد الباحثون، أن إعادة الإعمار المادي ليست سوى الخطوة الأسهل في رحلة النهوض من الكارثة، فالمعركة الحقيقية، كما يرون، هي إعادة بناء الإنسان الفلسطيني، وترميم وعيه، واستعادة التعليم الذي دُمر بالكامل، وتأهيل جيلٍ فقد المدارس والمعلمين، وبدون استثمارٍ حقيقي في العقل الفلسطيني، لن تنجح أي خطة إعمار مهما بلغت ميزانياتها.
التحذير من إعمار بلا قيادة محلية
كما حذر خبراء دراسات ما بعد الحروب، من أن جهود إعادة إعمار غزة لن تحقق أهدافها إذا لم تقاد من قبل مؤسسات وخبراء فلسطينيين يمتلكون المعرفة العميقة بالواقع المحلي، موضحين أن التعافي في مجالات الصحة العامة والتعليم العالي والبحث العلمي والبيئة يحتاج إلى قيادة وطنية تعرف الاحتياجات بدقة وتعمل من داخل المجتمع لا من خارجه.
ويأتي هذا التحذير في تقريرٍ نشرته مجلة "ناتشر" العلمية، عقب يومٍ من احتفالات شهدها القطاع بعد إعلان التوصل إلى المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف إطلاق النار، والتي أقرتها الحكومة الإسرائيلية لاحقاً.
دمار شامل ومعاناة إنسانية
والجدير بالإشارة، أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أسفرت عن أكثر من 67 ألف شهيد ودماراً شبه كامل للبنية التحتية في غزة، بما في ذلك المستشفيات ومرافق المياه والصرف الصحي.
ووفقًا لـ لجنة مراجعة المجاعة الدولية، عانى أكثر من نصف مليون شخص من الجوع الحاد حتى نهاية أغسطس الماضي، فيما أصيب 55 ألف طفل دون سن الخامسة بسوء تغذية حاد، بحسب بيانات مجلة The Lancet الطبية.
كما كشف الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أن أكثر من 2200 من الكوادر الطبية والتعليمية قتلوا منذ بداية الحرب، في حين تعرّض 80% من الجامعات والكليات للدمار أو الضرر الجزئي، مما أدى إلى توقف الدراسة لأكثر من 88 ألف طالب، وفق تقرير اليونسكو.
التعليم المدمر وتكاليف الإعمار
بالإضافة إلى ذلك، قدر الباحث في جامعة نيلسون مانديلا بجنوب إفريقيا، سافو هيليتا، الخسائر التي لحقت بمؤسسات التعليم العالي في غزة بنحو 222 مليون دولار، موضحاً أن تكلفة إعادة الإعمار قد تصل إلى مليار دولار نتيجة إزالة الركام والتعامل مع الذخائر غير المنفجرة.
ولفت "سافو"، إلى أن الدعم المالي السابق للجامعات الفلسطينية لم يتجاوز 20 مليون دولار سنوياً، وهو رقم هزيل لا يكفي لإعادة تأهيل التعليم.
ما بعد الطوب والإسمنت
ومن جانبها، قالت أماني المقدمة، رئيسة العلاقات الدولية في الجامعة الإسلامية بغزة، إن أولويات إعادة الإعمار لا تقتصر على البناء المادي، بل تشمل استمرار التعليم عن بعد، وتقديم دعم نفسي للطلاب والعاملين، وربط الباحثين مجدداً بالعالم عبر المؤتمرات والمنح الأكاديمية.
وأردفت "أماني"، أن المؤسسات الأكاديمية في غزة يجب أن تكون شريكاً رئيسياً في الإعمار، لأنها تمتلك معرفة محلية لا يمكن تعويضها وفهماً دقيقاً لاحتياجات المجتمع.
تمكين الغزيين شرط للنجاح
وفي هذا السياق، أكدتت الباحثة ناومي رينتول-هاينز من جامعة كانتربري البريطانية، أن مستقبل غزة يجب أن يبنى بمشاركة واسعة من المجتمع المحلي، لا بقرارات تُتخذ في الخارج، موضحة أن أي خطة دولية لإعمار غزة، بما في ذلك خطة ترامب التي لم تحدد دوراً واضحاً للفلسطينيين، محكوم عليها بالفشل إن لم تضعهم في موقع القيادة.