مرضى الربو في غزة يواجهون الموت بصمت

السيدة جملات وادي
السيدة جملات وادي

غزة/ البوابة 24 - فداء حلس

تجلس جملات وادي (44 عامًا) داخل خيمة مهترئة في دير البلح وسط قطاع غزة، تحاول التقاط أنفاسها بصعوبة وهي تمسك ببخاخ الربو الذي لم يعد يغادر يدها.
النازحة من حي النزاز شرق الشجاعية تعاني من المرض منذ 18 عامًا، لكنه لم يكن يومًا بهذه القسوة.

تروي قصتها بنبرة متقطعة: "أُصبت بالربو بعد ولادة ابنتي بعملية قيصرية، البنج الكامل أثّر على رئتيّ وتسبب لي بالتهابات حادة. قبل الحرب كنت أتعالج بانتظام وكانت حالتي مستقرة، أما الآن فالوضع مختلف تمامًا، منذ عامين ونحن نعيش وسط النار والدخان والغازات السامة، والمرض يتفاقم يومًا بعد يوم."

تستخدم نوعين من بخاخات الربو لكنها تعجز عن الحصول عليهما بانتظام. تقول: "أحيانًا أضطر لتقليل الجرعات خوفًا من نفاد الدواء، لا أستطيع تحمّل فكرة أن ينقطع عني العلاج."
وتتابع جملات وهي تنظر إلى البخاخ بين يديها: "كل نفس آخذه بصعوبة… الحرب سرقت منا حتى الهواء."

09c5ea92-fa4f-49f6-b142-ed603fed152e.jfif
 

محاولة أمّ لإنقاذ أنفاس ابنها

في مخيم آخر بدير البلح، تعيش آلاء النجار، والدة الطفل محمد البالغ سبع سنوات، معاناة لا تقل قسوة، محمد مصاب بالربو منذ كان عمره ستة أشهر، ويقضي أغلب أيامه بين المستشفى والخيمة.

تحكي والدته بصوت متعب:"أُصيب فجأة بضيق تنفس حاد، وأُدخل العناية المركزة، ثم نُقل إلى مستشفى الرنتيسي، وبعدها حُوِّل إلى إسرائيل، لكن لم يُعالج بشكل نهائي، اكتشفنا بأن نصف رئته متعطلة، ولديه التهابات تنفسية عالية."

تتابع آلاء:"منذ عامين وهو على جهاز التنفس أغلب الوقت في مشفى شهداء الأقصى وسط القطاع، العلاجات غير متوفرة، والأوكسجين بالكاد نحصل عليه، ووضعه غير مستقر أبداً."
تؤكد بيانات وزارة الصحة في غزة أن هناك 45 ألف مصاب بالربو في القطاع، وأن معدلات الالتهابات التنفسية تضاعفت منذ بدء الحرب الإسرائيلية، وسط انهيار شبه كامل للمنظومة الصحية.

أما محمد الحداد، الستيني من سكان غزة، فيحمل في صدره حكاية أخرى مع المرض.
 أصيب بالربو قبل عشر سنوات، بعد عمله في حرق البلاستيك والنحاس لتأمين قوت أسرته المكونة من ثمانية أفراد.

يقول:"بعد ستة أشهر من العمل بدأت أشعر بوجع وضيق في التنفس، وبعد فحوصات في مستشفى الشفاء حينها تبيّن أن عندي التهابات شديدة في الرئتين، طلبوا مني الابتعاد عن النار والدخان، لكن كيف وأنا أعمل بهما لأعيش؟"

ويضيف بأسى:"أثناء الحرب، كنت أساعد زوجتي وأبنائي في إشعال النار للطهي، فزادت حالتي سوءًا. الأدوية غير متوفرة، وأحيانًا أضطر للذهاب إلى مستشفى شهداء الأقصى حيث أنزح الآن لأتنفس عبر جهاز أوكسجين."

41ab5980-354b-42e9-ae4c-0476d21bbd4a.jfif
 

انهيار المنظومة الصحية وارتفاع خطير في إصابات الربو بغزة

توضح الدكتورة علا النجار، مدير دائرة الأمراض المزمنة في وزارة الصحة بغزة، أن الحرب دمّرت قاعدة بيانات المرضى وأوقفت المتابعة الطبية:"لا نملك أرقامًا دقيقة بعد اجتياح مستشفى الشفاء وتعطل نظام التسجيل، من أصل 14 عيادة في محافظة غزة تعمل فقط خمس عيادات، ما يعني أن آلاف المرضى لا يتلقون العلاج أو الرعاية اللازمة."

وتشير إلى أن الضغط الهائل على العيادات ونقص الأدوية جعل من المستحيل تقديم الخدمة كما يجب: "قبل الحرب كنا نستقبل 300 إلى 400 مريض يوميًا، أما الآن فالأعداد تصل إلى 3000 و5000 مريض في بعض العيادات، هناك مرضى يُتوقع وفاتهم بسبب التلوث البيئي ونقص الأدوية، خصوصًا مرضى الربو الذين يتأثرون بالدخان والغازات السامة."

وتتابع النجار:"أجهزة التحاليل والتشخيص دُمّرت بالكامل، وجهاز (السبيرومتري) الخاص بتشخيص الربو خرج عن الخدمة في مستشفى الشفاء، حتى إرسال طواقم طبية للبيوت أصبح مستحيلًا بسبب الوضع الأمني. أما البخاخات وبعض الأدوية، فإما مفقودة أو أسعارها خيالية لا يستطيع المرضى تحملها."

وتكشف عن مفارقة مؤلمة:"بعض مرضى الربو لديهم تحسس من أطعمة معينة، لكنهم مضطرون لتناول أي طعام متوفر في الأسواق، وحتى أدوية الضغط التي يُمنع استخدامها لمصابي الربو نضطر لإعطائها لهم لعدم وجود بدائل، للأسف، كثير منهم توفوا نتيجة لذلك."

رغم كل شيء، تحاول وزارة الصحة النهوض بما تبقى. تقول الدكتورة النجار:"فتحنا عيادة جديدة في مبنى تابع لجمعية بنك الدم لتقديم الخدمات لسكان تل الهوا وغرب غزة، ونعمل على إعادة تأهيل عيادة الشيخ رضوان بعد تدمير قسم الطوارئ فيها، هناك جهود حثيثة لإقامة مراكز ونقاط طبية جديدة بالتعاون مع شركاء محليين."

أما الدكتور أحمد الربيعي، استشاري الباطنة والصدرية ورئيس أقسام الباطنة في مجمع الشفاء الطبي، فيصف الوضع الصحي لمرضى الربو في غزة بأنه "كارثي".

يقول:"الربو مرض مزمن يظهر على شكل نوبات متفرقة. في حال تجنب المريض النار والدخان يقل خطره، لكن في غزة، ومع الغبار والبارود والحطب والسولار الصناعي، تزداد الحالات يومًا بعد يوم."

ويضيف موضحًا:"المرض ينتج عن التهاب تحسسي يصيب الشعب الهوائية، يؤدي إلى تضيقها وصعوبة التنفس، الالتهابات المستمرة تُضعف المناعة، وقد تتحول في بعض الحالات إلى أمراض أخطر كسرطان الرئة."

ويشير الربيعي إلى أن الأدوية الحديثة غير متوفرة، والمرضى يلجأون إلى تقنين الجرعات بسبب ندرتها وارتفاع أسعارها، ما يؤدي إلى تفاقم الأعراض.

"نسبة الإصابة بالربو والحساسية ارتفعت بنحو 40% خلال الحرب، والتقلبات المفاجئة في الطقس تزيد الوضع سوءًا، كبار السن والأطفال هم الأكثر تضررًا."

ba12b606-36ef-4bb9-9827-2fcb6d3a4ea5.jfif


41ab5980-354b-42e9-ae4c-0476d21bbd4a.jfif
 

البوابة 24