غزة/ البوابة 24 - رائد كحيل
بصوتٍ يختلط فيه الشوق بالألم، قال الأسير المحرر محمود أبو فول: "كم تمنّيت أن أرى، ولو بعينٍ واحدة. اشتقت لغزة، لأهلي وأحبّتي، لمن ما زالوا على قيد الحياة، ولمن غيّبتهم الحرب". كانت هذه الكلمات أول ما نطق به عقب الإفراج عنه ضمن صفقة تبادل الأسرى التي تزامنت مع وقف إطلاق النار في غزة، في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول 2025، بعد عامين من الحرب الإسرائيلية على القطاع.
عاد محمود إلى غزة بجسدٍ أنهكته سنوات الاعتقال والتعذيب، محمولًا على كرسيٍّ متحرّك وقد فقد إحدى ساقيه. بدا وجهه شاحبًا، كأنما عبر بوابة الموت وعاد منها. كانت عائلته على علم بإصابته وبتر ساقه نتيجة قصفٍ استهدف مستشفى كمال عدوان شمالي القطاع في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2024، حيث اعتُقل لاحقًا، لكنها لم تكن تعلم أنه فقد بصره أيضًا.

يقول محمود: "خرجت من المقبرة. في الزنازين المظلمة فقدت بصري من شدة التعذيب، لكن رؤية الحرية ولو بالقلب تكفي". ويضيف أنه تعرّض لتحقيقٍ قاسٍ شمل الضرب والركل والإهانة حتى تهشّمت أضلاعه وتلقى ضربات قوية على رأسه أفقدته الرؤية تمامًا. بعد إفاقته لم يرَ سوى عتمةٍ لا تنتهي، ولم يتلقَّ أي علاج سوى قطرة ومرهم لم يغيرا شيئًا.
أمضى محمود عامًا كاملًا في السجون الإسرائيلية دون أن تصل لعائلته أي معلومة عن مصيره، وظل مصيره مجهولًا حتى ورد اسمه ضمن قوائم الأسرى المفرج عنهم. يصف لحظة الإفراج بكلمات تختزل الغياب والحنين: "حين سمع الأسرى صوت التكبير ورأوا غزة تلوح من بعيد، ارتفعت الهتافات وغمرت الدموع الوجوه. لم أكن أراهم، لكنني أحسست بهم كأنني أراهم بقلبي. قالوا إن الأهالي ينتظروننا عند الأبواب".
يعيش محمود اليوم في خيمة نزوح مؤقتة وسط قطاع غزة، محاطًا بأفراد أسرته الذين افترق عنهم لأكثر من عام. ورغم العتمة التي غلّفت عينيه، يبتسم بثبات ويقول: "الحرية أثمن ما في الوجود، وأمنيتي الوحيدة أن أرى وجه أمي وملامح مدينتي من جديد".
