كشفت تقارير حقوقية فلسطينية حديثة عن تحركات إسرائيلية مكثفة لإقامة وتوسيع مستوطنات في مناطق توصف بأنها "استراتيجية" داخل الضفة الغربية، في خطوة تهدف إلى قطع التواصل الجغرافي بين المدن الفلسطينية، وخلق واقع ميداني يمهّد فعليًا لضم الضفة الغربية إلى إسرائيل.
وبحسب ما نقلته وكالة الأنباء الفلسطينية عن معهد الأبحاث التطبيقية (أريج)، فإن المشروع الإسرائيلي الجديد يسعى إلى إعادة هيكلة نظام إدارة الأراضي في الضفة بما يخدم سياسات الاستيطان، من خلال نقل عبء إثبات ملكية الأرض إلى الفلسطينيين أنفسهم، على عكس ما كان معمولًا به في العقود السابقة.
إجراء قانوني يخدم السيطرة الممنهجة
وأوضح التقرير أن الحكومة الإسرائيلية تعتزم تنفيذ "مسح شامل" للأراضي الفلسطينية، بحيث يطلب من كل من يدّعي ملكية أرض أن يقدم إثباتات قانونية كاملة، وإلا تسجل الأرض تلقائيًا على أنها "أراضي دولة".
وتأتي هذه الخطوة لتقلب القاعدة القانونية التي كانت تُلزم المستوطنين سابقًا بإثبات أن الأرض غير مملوكة للفلسطينيين قبل الشروع في إقامة المستوطنات، أما الآن، ومع التعديل الجديد، أصبح على الفلسطيني نفسه أن يثبت ملكيته، مما يمنح الاحتلال غطاءً قانونيًا لتصنيف آلاف الدونمات كأراضي تابعة للدولة الإسرائيلية.
رسالة سيادية واضحة
وأشار التقرير إلى أن نقل الإشراف على المشروع من "الإدارة المدنية" إلى "وزارة العدل الإسرائيلية" يعكس مركزية القرار الإسرائيلي ورغبة الحكومة في فرض سيادة قانونية كاملة على أراضي الضفة الغربية.
هذه الخطوة، بحسب معهد الأبحاث التطبيقية، تؤكد التوجه نحو الضم الفعلي، وتحوّل السيطرة من إدارة عسكرية مؤقتة إلى سلطة مدنية دائمة، وهو ما يمثل مؤشرًا واضحًا على نية الحكومة الإسرائيلية فرض الأمر الواقع وتكريس مفهوم "السيادة الإسرائيلية" في الضفة.
اعتماد بؤر جديدة
وذكر التقرير أن الحكومة الإسرائيلية صادقت في مايو الماضي على إقامة 22 بؤرة استيطانية جديدة، يجري العمل على تنفيذ عدد منها فعليًا في شمال الضفة الغربية، كما رصدت مئات ملايين الشواقل لتمويل المشروع الذي يستهدف المنطقة (ج)، وهي المناطق الخاضعة لسيطرة إسرائيلية كاملة وفق اتفاق أوسلو.
ويهدف المشروع إلى ربط أكثر من 80 بؤرة استيطانية عشوائية بشبكة بنية تحتية متكاملة تشمل الطرق والمياه والكهرباء والاتصالات والصرف الصحي، تحت إشراف ما تسمى "مديرية شرعنة البؤر الاستيطانية" التابعة لوزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، أحد أبرز قادة اليمين الاستيطاني في إسرائيل.
التداعيات السياسية والانتخابية للمخطط
وحذّر المعهد من أن تنفيذ هذا المشروع سيؤدي إلى تسريع وتيرة التوسع الاستيطاني، عبر تسهيل تصنيف الأراضي على أنها "أراضي دولة"، ما يسمح بإنشاء مزيد من المستوطنات دون عوائق قانونية.
كما أشار إلى أن توقيت تنفيذ الخطة يرتبط بالاستعدادات الانتخابية في إسرائيل، إذ تسعى الحكومة الحالية إلى كسب دعم المستوطنين واليمين المتطرف عبر تسريع عملية "الشرعنة" قبل الانتخابات المقبلة، وتشير التقديرات إلى أن إسرائيل قد تعلن ما يصل إلى 60 ألف دونم سنويًا كأراضي دولة بحجة المسح الإداري الجديد.
خطر التهجير وفقدان الموارد الفلسطينية
أكد التقرير أن المخطط سيجعل من شبه المستحيل على الفلسطينيين استعادة أراضيهم لاحقًا، خصوصًا في القرى والمناطق الزراعية غير المسجلة رسميًا، مما يزيد من احتمالات التهجير القسري للمجتمعات الفلسطينية.
كما سوف يؤدي المشروع إلى حرمان الفلسطينيين من مصادر المياه والزراعة والموارد الطبيعية، ضمن استراتيجية تضييق الخناق الاقتصادي والمعيشي على سكان المنطقة (ج)، تمهيدًا لتفريغها من الوجود الفلسطيني.
انتهاك صريح للقانون الدولي
وشدد معهد الأبحاث التطبيقية على أن هذه الإجراءات تتناقض مع أحكام اتفاقية جنيف الرابعة، التي تعتبر الضفة الغربية أرضًا محتلة، وتحظر الاستيلاء على الممتلكات الخاصة دون مبرر عسكري أو موافقة السكان الأصليين.
وأوضح أن تحويل الإشراف على المشروع إلى وزارة العدل الإسرائيلية يمثل ضمًا فعليًا مقنّعًا، إذ يرسخ السيطرة الإسرائيلية القانونية والإدارية على الأرض، ما يشكل انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
