في تطور غير مسبوق، كشف تقرير رسمي صادر عن مكتب مراقب الحسابات في وزارة الخارجية الأمريكية عن ارتكاب إسرائيل مئات الانتهاكات الموثقة لحقوق الإنسان خلال عملياتها العسكرية في قطاع غزة.
التقرير الذي أعد بشكل سري، خرج إلى العلن قبل أيام فقط من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، مما أضفى عليه بعدًا سياسيًا حساسًا داخل واشنطن.
وبحسب ما نقلته صحيفة "واشنطن بوست" عن مصادر أمريكية مطلعة، فإن وزارة الخارجية الأمريكية تواجه الآن مهمة معقدة وطويلة الأمد، إذ يتوقع أن تستغرق عدة سنوات لمراجعة وتحليل كل الحوادث والانتهاكات الموثقة في التقرير، والتي تعد الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.
الاعتراف الأمريكي الأول من نوعه
يعتبر التقرير الاعتراف الرسمي الأول من جانب الإدارة الأمريكية بأن الجيش الإسرائيلي تورط في انتهاكات متكررة ضد المدنيين في غزة، وهو ما يضع واشنطن في موقف حرج أمام المجتمع الدولي، لا سيما في ظل الدعم العسكري الكبير الذي تقدمه لإسرائيل.
وأشار مسؤولان أمريكيان للصحيفة إلى أن نتائج التقرير أثارت جدلًا داخليًا واسعًا بشأن ما إذا كانت هذه الانتهاكات تستدعي فتح تحقيق جنائي أو اتخاذ إجراءات عقابية ضد إسرائيل، لكن العقبات السياسية والإجرائية، إضافة إلى ما وصفاه بـ"التحيز المؤسسي لصالح تل أبيب"، تجعل محاسبة إسرائيل أمرًا معقدًا للغاية.
قانون ليهي يدخل دائرة الاختبار
تطرق التقرير أيضًا إلى تطبيق قانون ليهي الأمريكي، وهو التشريع الذي يحظر على الولايات المتحدة تقديم أي دعم أو تدريب أو تمويل لوحدات أجنبية متورطة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
ويذكر أن هذا القانون، الذي يحمل اسم السيناتور باتريك ليهي، يهدف إلى ضمان عدم تورط التمويل الأمريكي في أعمال مثل التعذيب أو الإعدامات خارج القانون أو الاعتداءات ضد المدنيين.
لكن المفارقة الكبرى تكمن في أن إسرائيل تتلقى سنويًا نحو 3.8 مليار دولار كمساعدات عسكرية مباشرة من واشنطن، إلى جانب دعم إضافي وصل خلال السنوات الأخيرة إلى عشرات المليارات، ما يجعل حرب غزة الاختبار الأصعب لتطبيق القانون في التاريخ الأمريكي الحديث.
أسئلة مفتوحة ومواقف متباينة
تثير هذه النتائج تساؤلات عميقة حول مدى التزام واشنطن بالقوانين الدولية والإنسانية، خاصة في ظل تزايد الضغوط من منظمات حقوقية داخل الولايات المتحدة وخارجها للمطالبة بوقف الدعم العسكري لإسرائيل ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة في غزة.
ويرى محللون أن هذا التقرير قد يحدث شرخًا في العلاقة التقليدية بين واشنطن وتل أبيب، أو على الأقل يفرض مراجعة داخلية في دوائر صنع القرار الأمريكي بشأن استمرار المساعدات غير المشروطة لإسرائيل، وسط تزايد الانتقادات الدولية لعملياتها العسكرية التي أسفرت عن آلاف الضحايا المدنيين في القطاع المحاصر.
