وعد بلفور: 108 أعوام من التزوير السياسي وتجاهل الحقوق الفلسطينية

بقلم المحامي علي أبو حبلة –

يصادف يوم الأحد 2 نوفمبر 2025، الذكرى الـ108 لوعد بلفور الذي أصدره وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور في 2 نوفمبر 1917، حين وجّه رسالة إلى اللورد ليونيل دي روتشيلد لتأييد إقامة "وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين". ما بدا آنذاك مجرد خطاب دبلوماسي، لم يكن إلا شرارة أطلقت سلسلة من الأحداث المأساوية التي ما زالت تؤرق فلسطين والمنطقة حتى اليوم. البعد السياسي والاستراتيجي وعد بلفور لم يكن مجرد تعبير سياسي، بل أداة استعمارية بريطانية لتثبيت النفوذ في الشرق الأوسط خلال الحرب العالمية الأولى. أعطى الوعد الحركة الصهيونية غطاءً دوليًا لتأسيس وجودها في فلسطين، بينما جُرّد السكان الفلسطينيون الأصليون من حقهم في تقرير المصير. منذ ذلك التاريخ، أصبح الوعد أساسًا للتغيير الديموغرافي، وتمهيدًا لإنشاء الكيان الإسرائيلي عام 1948، مع إحداث صراعات استراتيجية متواصلة. اليوم، نرى استمرار آثار هذا الوعد في التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس، وما يرافقه من انتهاكات يومية للحقوق الفلسطينية. البعد القانوني من منظور القانون الدولي، كان وعد بلفور وثيقة سياسية وليست اتفاقية ملزمة، لكن تضمينه لاحقًا ضمن صك الانتداب البريطاني وموافقة عصبة الأمم منح الوعد شرعية شكلية. ومع ذلك، تم تجاهل حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وهو الحق الذي أكدت عليه قرارات الأمم المتحدة، بما في ذلك قرار تقسيم فلسطين رقم 181 وقرار الجمعية العامة رقم 194 بشأن حق العودة للاجئين الفلسطينيين. إن وعد بلفور يمثل نموذجًا صارخًا لتجاوز القانون الدولي لصالح مصالح القوى الاستعمارية، وما يزال يُستخدم اليوم لتبرير السياسات الإسرائيلية التوسعية على حساب الشرعية الدولية والحقوق الفلسطينية. التداعيات المستمرة تُظهر أكثر من قرن من الصراع أن الوعد لم يكن مجرد حدث تاريخي، بل أداة استراتيجية لإدامة الاحتلال والسيطرة. ويستمر أثره في: الاستيطان غير القانوني في الضفة الغربية والقدس، وتهجير الفلسطينيين من أرضهم. النزاعات المسلحة المستمرة في غزة والضفة الغربية. إعادة رسم خريطة القوة الإقليمية بما يضمن مصالح القوى الكبرى على حساب الشعب الفلسطيني. إن استمرار الاحتلال وانتهاكات حقوق الإنسان يؤكد أن تجاهل الشرعية الدولية لن يولد إلا المزيد من الصراعات والتوترات، ويثبت أن السلام لا يمكن أن يتحقق بالقوة أو بالاستسلام للوقائع على الأرض. وأن 108 أعوام مرت على وعد بلفور، وما زالت فلسطين تواجه تداعياته الاستراتيجية والسياسية والقانونية. هذه الذكرى ليست مجرد تأريخ، بل نداء عالمي لتطبيق القانون الدولي وإنهاء الاحتلال، واستعادة الحقوق الفلسطينية الثابتة. إن السلام العادل والدائم لن يتحقق إلا بالعدالة، واحترام الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وتأكيد أن أي حل سياسي لا يستند إلى الشرعية الدولية وحقوق الشعب الفلسطيني هو وهم زائف، لن يكتب له النجاح.

البوابة 24