كشفت مصادر أمريكية وأوروبية رفيعة أن تل أبيب تصر على ربط أي تحرك لإعادة إعمار قطاع غزة بإنهاء ملف الأنفاق التابعة لحركة حماس بالكامل، وبالطريقة التي تراها مناسبة دون الدخول في صفقات مباشرة أو غير مباشرة مع الحركة، حتى لو جاء ذلك تحت ضغط أو وساطة من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وتؤكد هذه المصادر أن إسرائيل تعتبر أن أي اتفاق حول الأنفاق سوف يقتصر فقط على الخرائط المعروفة أو تلك الواقعة قرب الحدود، بينما ترفض تمامًا الاعتماد على خرائط “الأنفاق المخفية” التي تقول إن حماس لن تكشفها مهما كان الثمن، لأنها وحدها من يعرف تفاصيلها بدقة.
كما أشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن إدارة ترامب قدمت بالفعل مقترحًا لحل أزمة الأنفاق في رفح، وسط قناعة أمريكية بأن وجود مسلحين داخل الأنفاق يشكل “لغماً قابلاً للانفجار” يهدد فشل وقف إطلاق النار في أي لحظة.
صفقة مبتورة
أوضح مصدر أمريكي رفيع المستوى أن الإعمار يمكن أن يبدأ بالتوازي مع القضاء على الأنفاق ونزع سلاح حماس، لكن ذلك مشروط بالتزام نتنياهو بعدم العودة للحرب، وبالتزام الحركة بتسليم سلاحها وعدم العودة لإدارة القطاع.
ورغم ذلك، تؤكد واشنطن أن أي صفقة حول الأنفاق سوف تكون ناقصة، لأن الخرائط التي سوف تقدمها حماس، إن قدمتها، سوف تتعلق بالأنفاق الأقل أهمية أو غير المستخدمة. أما الأنفاق الأكثر عمقًا وتعقيدًا، خصوصًا تلك التي احتجز فيها الأسرى، فلن تكون جزءًا من أي اتفاق.
وتشير المصادر إلى أن إسرائيل نفسها فشلت، رغم الدعم الأمريكي والغربي وأحدث تقنيات الرصد، في الوصول إلى أنفاق مركزية أو العثور على أسير واحد تحت الأرض، وهو ما يعزز تشددها في رفض بدء الإعمار.
مخاوف إسرائيلية
أكد دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى، أن إسرائيل ترى أن أي اتفاق يمنح لحماس دورًا في العملية السياسية داخل القطاع سيؤدي إلى منح الحركة “وجودًا شرعيًا” جديدًا، وهو ما ترفضه حكومة نتنياهو بشكل مطلق.
ويضيف أن هناك عناصر أساسية داخل حماس مسؤولة عن إدارة ملف الأنفاق، وتؤمن إسرائيل أنه لا سبيل للوصول إليهم إلا عبر عمليات عسكرية مباشرة، وليس من خلال اتفاقات تعتبرها مساومات غير مضمونة.
ويشير الدبلوماسي إلى أن الجيش الإسرائيلي اكتشف، خلال الحرب، أنه قصف عشرات الأنفاق غير المستخدمة، وأن حجم الدمار الواسع صعّب عملية الرصد الجوي عبر الأقمار الصناعية، مما جعل مهمة كشف الأنفاق النشطة أكثر تعقيدًا.
رؤية فلسطينية
من جانبها، ترى الباحثة السياسية الفلسطينية د. تمارا حداد، أن إعادة الإعمار في غزة لن تتحقق ما لم يُنزع سلاح حماس ويُوضع إطار يمنع وجودها العسكري والسياسي داخل القطاع، وتوضح أن ملف الإعمار يرتبط بثلاث نقاط رئيسية:
- هوية الإدارة التي ستتولى حكم القطاع بعد الحرب.
- ضمان عدم استخدام مواد البناء لإعادة حفر الأنفاق.
- التوافق الدولي – خصوصًا الأمريكي – على صيغة اليوم التالي للحرب.
وتؤكد أن إسرائيل لن تسمح بإدخال مواد إعادة البناء، لأنها مقتنعة بأن حماس قد تستغلها لإعادة بناء قدراتها العسكرية، كما تشير إلى صفقة قيد النقاش تدعمها إدارة ترامب، تقضي بأن تسلم حماس خرائط الأنفاق مقابل توسيع عمليات تبادل الأسرى ومنح بعض قادتها ضمانات أو إمكانية الخروج من القطاع.
وترى حداد أن تركيا لاعب مهم في هذه الصفقة المقترحة، وأن دورها مرهون بالحصول على “ضوء أخضر” من الولايات المتحدة للمشاركة في ترتيبات اليوم التالي.
