تشهد ترتيبات اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حالة من الغليان السياسي، بعدما أشارت صحيفة الشرق الأوسط إلى أن الوسطاء يتحركون في دوائر ضيقة ومتسارعة لحمايته من الانهيار، فالاتفاق، الذي دخل حيز التنفيذ قبل شهر، يواجه عقبتين ثقيلتين، الأولى تتعلق بمسلحي حماس العالقين في رفح منذ بدء الهدنة، والثانية ترتبط بعدم اكتمال عملية تسليم رفات الرهائن الإسرائيليين، وهو ما يخلق توتراً إضافياً بين الجانبين ويضع الوسطاء تحت ضغط متزايد.
زيارة أميركية تحمل رسائل دقيقة
في ظل هذا المناخ المتوتر، تبرز زيارة مرتقبة للمبعوثين الأميركيين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر إلى إسرائيل، فبحسب موقع "آي نيوز 24" الإسرائيلي، يصل المبعوثان خلال هذا الأسبوع للدخول مباشرة في تفاصيل الأزمة، وخاصة ملف المسلحين العالقين في رفح، الذي يشكل نقطة اشتباك سياسية وأمنية شائكة.
كشفت هيئة البث الإسرائيلية بدورها أن الزيارة ستكون حاسمة، وأن أجندتها لا تقتصر على مناقشة أزمة رفح، بل تشمل دفع الاتفاق إلى الأمام وضمان تنفيذه بشكل كامل.
أزمة الرفات
منذ توقيع الهدنة، سلمت حركة حماس عشرين رهينة إسرائيلياً أحياء، غير أن ملف الجثامين المتبقية ما زال مفتوحاً على احتمالات معقدة، ومساء الأحد، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تسلم رفات الضابط هدار غولدِن، الذي كانت حماس قد أكدت سابقاً أنه وقع في الأسر خلال حرب 2014.
وأثار التأخير في تسليم باقي الرفات شكوكاً إسرائيلية عن رغبة حماس في فتح مسار تفاوضي منفصل حول الرفات وربطه بملف المسلحين المحاصرين داخل شبكة الأنفاق في رفح. وهو ما اعتبرته وسائل إعلام فلسطينية وإسرائيلية العامل الأبرز في تهديد صمود الاتفاق.
إسرائيل تقول إنها ما زالت بانتظار بقية الجثامين، وترهن الانتقال للمرحلة الثانية من الاتفاق باستكمال هذا الملف بالكامل.
الوسطاء يتحملون المسؤولية
في بيان واضح النبرة، أكدت كتائب القسام أن قاموسها يخلو من أي مبدأ يرتبط بالاستسلام أو تسليم النفس، وطالبت الحركة الوسطاء بتوفير الضمانات والحلول التي تحافظ على وقف إطلاق النار.
وأضاف البيان أن عملية استخراج جثامين الرهائن من المناطق المتضررة تمت في ظروف بالغة الصعوبة، وأن المراحل المقبلة تتطلب معدات وطواقم فنية إضافية لضمان تنفيذ المهمة.
الاتفاق معلق لكنه مدعوم أميركياً
يرى المحلل السياسي الفلسطيني عبد المهدي مطاوع، أن زيارة كوشنر وويتكوف تتجاوز في مضمونها ملفي الرفات والمسلحين، وتهدف أساساً إلى تحديد شكل وآليات إدارة غزة وصلاحيات القوات الدولية المنتظر نشرها ضمن ترتيبات ما بعد الهدنة.
وبحسب مطاوع، فإن اتفاق غزة قد يبقى معلقاً في المرحلة الأولى، لكنه لن ينهار بسهولة، لأن الإرادة الأميركية تدفع باتجاه تثبيته، ومع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية، لا يستبعد المحلل حدوث خروقات محدودة تستخدم في المزايدات السياسية، ولكن دون أن تصل إلى حد إسقاط الاتفاق.
ويتوقع مطاوع أن يتم حل أزمة المسلحين بثمن تقبل به إسرائيل، على أن يشكل هذا الحل نموذجاً أميركياً لعملية تسليم السلاح، غير أن المواقف المتشددة داخل حركة حماس قد تبطئ هذا المسار.
تنسيق مصري قطري لتفادي الانزلاق
قبل الزيارة الأميركية، أجرى وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي اتصالاً مع رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ناقشا فيه تطورات اتفاق غزة وضرورة حمايته من الانهيار. وأكد.البيان المصري الصادر بعد الاتصال على مجموعة من الثوابت، أبرزها:
- ضرورة الحفاظ على الوحدة الجغرافية بين قطاع غزة والضفة الغربية.
- أهمية أن يتولى الفلسطينيون إدارة شؤونهم بأنفسهم.
- دعم الجهود الجارية في نيويورك لتحديد ولاية وصلاحيات قوة دعم الاستقرار الدولية.
جوهر الأزمة
يشير مطاوع إلى أن القضية الأكثر حساسية في الوقت الراهن تتمثل في النقاش حول صلاحيات القوات الدولية وآليات عدم فصل غزة عن الضفة، إضافة إلى مسألة إدارة القطاع خلال المرحلة الانتقالية.
المشاورات المصرية القطرية، وفق رؤيته، تتحرك في عمق هذا الملف لتجنب أي ذرائع إسرائيلية قد تستخدم لإضعاف الاتفاق أو التشكيك في جدواه.
