في مشهد يبدو كأنه ظل ثقيل يمتد فوق الضفة الغربية، تكشف المعطيات الإسرائيلية والدولية عن قفزة خطيرة في اعتداءات المستوطنين ضد الفلسطينيين خلال عام 2025. ورغم صرخات الضحايا وتكرار المقاطع المصورة، يتهم مراقبون الشرطة الإسرائيلية وجهاز الشاباك بالتقاعس المتعمد عن مواجهة هذه الظاهرة، ما فتح الباب أمام موجة عنف تفوق في حدّتها أي سنة سابقة.
تصاعد سنوي يكسر التوقعات
وفق ما نشرته صحيفة هآرتس، فإن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية سجلت حتى نهاية أكتوبر 2025 نحو 704 حادثة قومية نفذها مستوطنون متجاوزة العدد الكلي للعام السابق الذي بلغ 675 حادثة، ورفع هذا الارتفاع الحاد المعدل الشهري للاعتداءات إلى حوالي 70 هجوماً مقارنة بـ 56 في 2024 في صورة تعكس تسارعاً مقلقاً في مستوى العنف.
وتقول مصادر أمنية إن هذا التصعيد لم يأتي من فراغ، بل تغذيه شبكة دعم سياسية ودينية تقدّم غطاءً أيديولوجياً للمستوطنين، خاصة من شخصيات بارزة في التيار الديني القومي.
موسم الزيتون
يظل موسم قطف الزيتون واحداً من أكثر اللحظات هشاشة في الضفة، نظراً لما يشهده من هجمات منظمة تستهدف المزارعين الفلسطينيين. ومع بدء الموسم في 19 أكتوبر، رصدت 50 عملية اعتداء خلال الأسابيع الثلاثة الأولى فقط.
تركزت الهجمات في رام الله ونابلس والخليل، حيث تنتشر البؤر الاستيطانية العشوائية التي تحولت لاحقاً إلى ما يعرف بـ"المزارع اليهودية"، وباتت هذه المناطق نقاط احتكاك يومي، يواجه فيها المزارعون تهديدات، تخريباً للمحاصيل، وإحراقاً للأشجار.
أرقام أكتوبر
يعد شهر أكتوبر 2025 الأخطر خلال العام، إذ وثق الجيش الإسرائيلي 74 حادثة قومية نفذها المستوطنون، بزيادة تقارب 30% عن الفترة ذاتها من العام الماضي. وتشير تقارير الجيش إلى أن 174 فلسطينياً تعرضوا لعنف المستوطنين منذ يناير.
في حادثة لافتة، اشتبك عدد من المستوطنين مع ضابط في حرس الحدود قرب رام الله، إلا أن نتائج التحقيق ما تزال غائبة، ولا توجد معلومات حول محاسبة المتورطين.
معدل يومي يزيد عن ثماني هجمات
أما تقرير الأمم المتحدة، فجاء أكثر قتامة، حيث رصد في أكتوبر وحده 264 اعتداءً، وهو أعلى رقم تسجله المنظمة منذ 2006، وبلغ إجمالي الاعتداءات الموثقة خلال عام 2025 حوالي 1485 هجوماً.
وحاول الجيش الإسرائيلي تفسير الفجوة بين أرقامه وأرقام الأمم المتحدة، مدعياً أن المنظمة تدمج أحياناً اشتباكات الجيش مع الفلسطينيين ضمن عنف المستوطنين، لكنه اعترف بأن عدداً كبيراً من الفلسطينيين يمتنعون عن تقديم شكاوى خوفاً من الانتقام.
اتهامات للشرطة والشاباك
يشير مراقبون إلى أن رئيس الأركان إيال زامير يتعامل بحذر شديد مع ملف عنف المستوطنين، حتى عندما تضررت منه قوات الأمن نفسها، وفي المقابل، يشتكي ضباط ميدانيون من أن الشرطة والشاباك يبدوان وكأنهما يغضان الطرف عن الاعتداءات، وسط تشجيع واضح من بعض الوزراء وأعضاء الكنيست.
هذا التراخي الأمني، وفق الخبراء، عمّق شعور الفلسطينيين بفقدان الحماية، وفتح الباب أمام مجموعات المستوطنين لتوسيع نطاق العنف دون خوف من المساءلة.
الخسائر البشرية في الضفة منذ بداية الحرب
تظهر بيانات الجيش الإسرائيلي أن الضفة الغربية دفعت ثمناً باهظاً منذ بدء الحرب على غزة، حيث قتل 986 فلسطينياً خلال عمليات عسكرية، بينما أصيب 3481 آخرون في مواجهات واشتباكات متفرقة. هذه الأرقام تكشف أن الضفة ليست بعيدة عن أجواء الحرب، بل أصبحت ساحة ملتهبة موازية لغزة.
