في وثيقة ثقيلة الوطأة، أعاد فريق التحقيق العسكري بقيادة اللواء سامي تورجمان تفكيك مشهد 7 أكتوبر طبقة بعد طبقة، ليصل إلى خلاصة مريرة ما حدث لم يكن مفاجأة، بل نتيجة سلسلة طويلة من الإهمال، وفشل استخباراتي، وتردي إداري داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.
ورسم تقرير تورجمان، الذي وصل إلى رئيس الأركان إيال زامير وإلى هيئة الأركان العامة، صورة قاتمة لجيش امتلك المعلومات لكنه عجز عن قراءتها، وامتلك القدرات لكنه لم يحسن تشغيلها.
إخفاق منظومي
يؤكد التقرير أن هجوم 7 أكتوبر لم يكن فجوة في جدار المعلومات، بل فجوة في التفكير، فالجيش حصل قبل العملية على معلومات استخباراتية حساسة ونوعية، لكنه فشل في تحويلها إلى إنذار مبكر أو حالة استنفار، وجاء فيه أن المعطيات التي سبقت الهجوم كانت كافية لإطلاق تحذير واضح، وأن التعامل معها بطريقة مهنية كان من الممكن أن يقلب المشهد بالكامل.
وبحسب اللجنة، فإن الخلل لم يكن في معلومة واحدة ضاعت، بل في تصور خاطئ تجاه قطاع غزة وحركة حماس، وفي جهاز أمني لم يدرك أن خصمه يطوّر قدراته بينما يقف هو مكانه.
محاور الفشل
سرد التقرير سلسلة من الإخفاقات البنيوية، أبرزها:
- تصور استراتيجي مغلوط عن نوايا وقدرات حماس وبيئة غزة.
- فشل استخباراتي مركزي في فهم مستوى التهديد وإصدار إنذار مسبق.
- التعامل المهمل مع خطة "جدار أريحا" المصممة لحماية الحدود، والتي لم تُفعّل بالشكل المطلوب.
- ثقافة تنظيمية مشوهة داخل المؤسسة العسكرية، تقلل من قيمة التحذيرات وتضخم الثقة بالنفس.
- فجوة خطيرة بين مستوى التهديد المفترض وقدرة الدفاع الفعلية للوحدات.
- ارتباك في اتخاذ القرار ليلة الهجوم وغياب تشغيل فعلي للقوات على الأرض.
هذه الثغرات، مجتمعة، خلقت وضعاً لم تكن فيه أي جهة قيادية تمتلك صورة كاملة عن تحركات حماس ليلة الهجوم، ما جعل الرد بطيئاً ومشوّشاً.
تحذيرات ضاعت
يكشف التقرير أن ضباطاً كباراً في عام 2023 نبهوا القيادة العسكرية من تراجع الردع وتآكل صورة إسرائيل أمام أعدائها بسبب الأزمات الداخلية والانقسام السياسي، ومع ذلك، بقيت التحذيرات معلّقة في الهواء، ولم تتخذ إجراءات جادة لتحسين الجاهزية أو تعزيز القدرات الدفاعية على حدود غزة.
توزيع المسؤوليات
لأول مرة، يضع التقرير ميزاناً واضحاً لمسؤولية كل جهاز داخل المؤسسة الأمنية:
- هيئة الأركان العامة: أخطأت في تقدير قوة العدو وتطوره العملياتي.
- شعبة الاستخبارات (أمان): فشلت في قراءة مؤشرات التصعيد داخل حماس، واعتمدت أساليب جمع معلومات وصفت بأنها محدودة وضيقة الأفق.
- قيادة الجنوب العسكرية: لم تفعل الإنذارات ولم تعد الانتشار الميداني الملائم.
- فرقة غزة: قصرت في أداء مهام الدفاع، ولم ترفع مستوى حالة التأهب رغم الإشارات التحذيرية.
- سلاح الجو والبحرية: أخفقا في توفير مظلة دفاعية كافية على مستوى الطيران المنخفض والساحل، إضافة إلى غياب تقييمات موقف منتظمة ومنسقة.
بطولات فردية في مقابل فوضى قيادية
ورغم حجم الفشل المؤسسي، توقف التقرير عند مواقف شجاعة لافتة، فقد أشاد بالجهد البطولي الذي بذلته المراقبات الميدانيات حتى لحظاتهن الأخيرة، مؤكداً أن تحليلاً استخباراتياً متقناً لمعلوماتهن كان يمكن أن يغيّر مسار الهجوم.
كما ثمن دور وحدات الحراسة المحلية وفرق الطوارئ التي تصدّت لبعض محاور الهجوم في الكيبوتسات، ونجحت في منع تكرار سيناريوهات أكثر دموية.
فشل ضخم ودعوة لفتح ملفات أكبر
في نهاية الوثيقة، قال رئيس الأركان إيال زامير إن الجيش لا يحقق في حادث عابر، بل في فشل ضخم، مضيفاً أن المسؤولية لا تعني التستر بل النظر مباشرة في الخطأ والتعلم منه.
وأكد زامير أن ما ورد في التقرير ليس نهاية التحقيق، بل خطوة أولى نحو مراجعة أوسع تشمل العلاقات بين مستويات القيادة المختلفة، وأسلوب التنسيق بين الأجهزة الأمنية، لضمان عدم تكرار كارثة 7 أكتوبر.
