غزة/ البوابة 24- إنعام فروانة:
منذ الفجر، تبدأ أم محمود يومها في المشغل الزراعي لتأمين قوت بناتها بعد فقدان زوجها. تعمل من السادسة صباحًا حتى السادسة مساءً في جمع المحاصيل ورش المزروعات وسط الشمس الحارقة، على أرض تمتد لتسعين دونمًا. ورغم قسوة العمل، ظلّت الزراعة باب رزقها الوحيد بعد نزوحها من بيتها في المغراقة وسكنها بخيمة في خان يونس، إذ تحملت المشقة لأنها المعيلة الوحيدة لبناتها.
يوم غيّر حياتها: ابنتان مشلولتان وأم تكافح
أم محمود، أرملة تعيل بناتها بالعمل الشاق في المشغل الزراعي منذ الفجر حتى المساء، رغم قسوة النزوح والعيش في خيمة بخان يونس. في 17 سبتمبر 2025، أصيبت ابنتاها أثناء جمع الحطب في حي الأمل؛ الكبرى (17 عامًا) أصيبت في رأسها وأصبحت مشلولة نصفيًا، والصغرى (15 عامًا) فقدت القدرة على المشي. منذ ذلك اليوم، تعيش أم محمود بين ألم العمل وألم علاج بناتها، حيث تنفق يوميتها البسيطة (70 شيكلًا) على الدواء، وتبقى لياليها ساهرة بجوارهن في البرد القاسي.
"أقضي لياليّ محاصرة بين أنين ابنتيّ وبرد الخيمة القاسي الذي لا يرحم. ابنتي المصابة بالشلل ترتجف من شدّة الحرارة، ولا يخفّ ألمها إلا حين أغمرها بالماء. أبقى أدلّك جسدها طوال الليل، فلا أنام ولا أرتاح. أعاني حساسية شديدة في عينيّ بسبب الغبار والعمل في الزراعة، لكن لا خيار أمامي سوى الاستمرار." تقول أم محمود

كفاح سميرة بين النزوح والحقول المدمرة
سميرة أبو حشين، شابة تبلغ من العمر خمسة وعشرين عامًا من منطقة القرارة – كوسوفيم، مطلقة، وجدت نفسها في مواجهة حياة قاسية بعد اندلاع الحرب. منذ السابع من أكتوبر اضطرت للنزوح مع طفليها، براء البالغ ثلاث سنوات وسليمة ذات الأربع سنوات، إلى خيمة منصوبة على شاطئ البحر قرب محطة التحلية، بعد أن فقدت منزلها ومنجرة والدها الذي كان يعمل نجارًا ويشكّل سندها الوحيد. لم يتوقف الأمر عند فقدان المأوى والعمل، بل أصيب والدها بجلطة في يده أفقدته القدرة على العمل، فباتت سميرة المعيلة الوحيدة للأسرة.
رغم أنها لم تعرف الزراعة من قبل، التحقت بمجموعة من النساء العاملات في المشغل الزراعي لتأمين لقمة العيش. تعمل يوميًا من السادسة صباحًا حتى السابعة مساءً، تجمع المحاصيل من أراضٍ تمتد لتسعين دونمًا، وتحمل أحيانًا ما يزيد على أربعة وعشرين كيلوغرامًا من الباذنجان أو الكوسا أو البندورة. جسدها لم يكن معتادًا على هذا الجهد، خاصة أنها تعاني من فقر دم مزمن، ما أدى إلى انهيارها ونقلها إلى المستشفى حيث مكثت أسبوعين وتلقت وحدات دم لم يحتفظ بها جسدها. ومع ذلك، عادت إلى العمل لأنها لم تجد خيارًا آخر؛ فطفلاها ووالدها بحاجة إليها.
تصف أصعب أيامها في يوليو 2025 حين دخلت القوات الإسرائيلية منطقة المطاحن القريبة، فكانت تذهب إلى العمل وهي تخاطر بحياتها، ترفع الراية البيضاء بينما الطائرات المسيّرة تلقي القنابل. وبعد انسحاب القوات، وجدت الأرض مدمرة والمحاصيل متلفة بالكامل. لكنها، مع زميلاتها وصاحب المشغل، أعادت زراعة الأرض من جديد رغم الأجور الزهيدة، مدفوعة بروح التضامن والإصرار على البقاء.

الإطار القانوني لحماية النساء العاملات في الزراعة أثناء الحرب
يشير المحامي والناشط الحقوقي سعيد عبد الله إلى أن النساء العاملات في الزراعة في غزة يتعرضن لمخاطر مضاعفة تشمل القصف المباشر، تدمير الأراضي الزراعية، فقدان مصادر الدخل، وانعدام الأمان الصحي والمهني. ورغم أن التشريعات الدولية والفلسطينية لا تتناول وضع النساء أثناء الحرب بشكل محدد، فإن القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكولات الإضافية، يضمن حمايتهن كمدنيات، ويشمل ذلك عدم استهدافهن أو استهداف أراضيهن ومزارعهن (المادة 52 من البروتوكول الإضافي الأول)، وحماية حياتهن وكرامتهن، وتأمين سبل العيش والمساعدات الإنسانية دون تمييز (المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول). على الصعيد الوطني، يكفل القانون الأساسي الفلسطيني المساواة والحماية القانونية، حيث تنص المادة (9) على المساواة بين الرجل والمرأة أمام القانون، والمادة (22) على أن العمل "حق وواجب وشرف تكفله الدولة"، والمادة (23) تمنح حماية خاصة للمرأة في ميادين العمل والأمومة.
فيما ينص قانون العمل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2000 على توفير بيئة عمل آمنة (المادة 90)، واتخاذ التدابير اللازمة لحماية العاملات من الإصابات والأمراض المهنية (المادة 91)، وضمان التعويض عن الإصابات أو الأضرار الناتجة عن العمل (المادة 116)، وحماية المرأة العاملة أثناء الحمل والولادة (المادة 101). كما يوفر قانون الزراعة الفلسطيني رقم (2) لسنة 2003 حماية للأراضي الزراعية وتنظيم العمل الزراعي، وضمان الأمن الغذائي، وتقديم الدعم للمزارعات في مواجهة الكوارث والأزمات.
وتتطلب حماية حقوق العاملات اتخاذ إجراءات عملية تشمل توثيق الانتهاكات والخسائر بالصور والتقارير والشهادات، إثبات علاقة العمل بالعقود أو إيصالات الأجور أو شهادات المشغّلين، تقديم شكاوى رسمية للجهات المعنية، تجميع الملفات القانونية عبر النقابات والجمعيات النسوية، والمطالبة بالتعويض عند توفر برامج حكومية أو دولية، إلى جانب التنسيق المستمر مع المحامين والمؤسسات الحقوقية لمتابعة القضايا محليًا ودوليًا.
