تمر خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخاصة بقطاع غزة بمجموعة من التجاذبات العنيفة التي لن تتمكن من الاتزان إلا إذا استطاعت الولايات المتحدة كبح اندفاع إسرائيل، تجنبًا لإفشال مخرجات الخطة وإفراط الحرب في التمدد من جديد.
وقف حرب هش وانتهاكات مستمرة
وعلى الرغم من مرور وقف الحرب منذ 10 أكتوبر 2025، واصل الجيش الإسرائيلي عملياته بوتيرة عالية، وأسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 250 شهيدًا مع بداية نوفمبر الجاري، في ظل غياب ردود فعل ملموسة من الوسطاء، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، التي يفترض أنها الضامن الرئيس لاتفاق وقف النار وتنفيذ خطة ترامب.
أظهر ترامب تفهمًا كاملاً للموقف الإسرائيلي واعتبر الغارات "دفاعًا عن النفس"، بينما تجنب مسؤولون أميركيون آخرون التعليق على أعداد الضحايا، مؤكدين فقط أن وقف إطلاق النار ما زال قائمًا.
تعقيدات خطيرة في الطريق
كما نشر مركز الجزيرة للدراسات تحليلًا بعنوان "سلام مترنح.. تعقيدات خطة غزة ومخاطرها"، تناول حجم التعقيدات التي تواجه الانخراط الأميركي في تنفيذ مراحل الخطة وإشكاليات الانتقال إلى المرحلة الثانية.
التحرك الأميركي في المرحلة الأولى
1. ملف الأسرى
ركز الأميركيون في بداية سريان وقف النار على ثلاثة مسارات أساسية، كان أولها تأمين الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين وتبادلهم مع الأسرى الفلسطينيين خلال الساعات الـ72 الأولى من الهدنة، متجاهلين في المقابل الانتهاكات الإسرائيلية المتزايدة للاتفاق.
2. فرض السيطرة الميدانية
أما المسار الثاني فتمثل في سعي إدارة ترامب للسيطرة الفعلية على تنفيذ الخطة ميدانيًا، من خلال إنشاء مركز تنسيق أمني مهمته متابعة التزام جميع الأطراف بوقف إطلاق النار.
3. زيارات مكثفة لإسرائيل
كما شمل المسار الثالث سلسلة زيارات ميدانية لإسرائيل، هدفها إقناع تل أبيب بالتزام الاتفاق، وكشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن هذه الزيارات جاءت نتيجة مخاوف واشنطن من أن تتنصل إسرائيل من بنود وقف النار.
وبالرغم من الجهود، بقيت إسرائيل مستمرة في قصف غزة، إضافة إلى عدم التزامها بإدخال 600 شاحنة مساعدات يوميًا، إذ لم يتجاوز العدد في أوائل نوفمبر 100 شاحنة فقط.
عقبات المرحلة الثانية
صراع على شكل قوة الاستقرار الدولية
تعتبر قوة الاستقرار المقرر نشرها في غزة أبرز العقبات أمام الانتقال للمرحلة الثانية، إذ تصر إسرائيل على امتلاك الكلمة العليا في تشكيلها، وبينما يرفض نتنياهو مشاركة تركيا، تفضل واشنطن أن تضم القوة دولًا عربية وإسلامية، بما فيها قطر وتركيا.
دول تضع مجلس الأمن شرطًا للمشاركة
من جانبها، تؤكد دول مثل مصر والأردن وإندونيسيا أنها لن تشارك في القوة دون تفويض من مجلس الأمن، بحيث تكون بمثابة قوة حفظ سلام أممية، وهو ما تعمل واشنطن على استصداره.
أهداف متضاربة ودور غامض للقوة المنتظرة
كما تريد الولايات المتحدة من القوة أن تكون بديلة لأمن حماس وإدارة القطاع، بينما يصر الفلسطينيون على أن تتركز مهماتها على ضبط الأمن، وتأمين الحدود، وملء الفراغ الناتج عن انسحاب إسرائيل.
ملف نزع السلاح
وفي السياق ذاته، يبرز ملف نزع سلاح المقاومة باعتباره العقدة الأكثر تعقيدًا، يضاف إليه ملف الهيئة الإدارية الانتقالية للقطاع، حيث تقدمت مصر بقائمة مرشحين، لكن الخلافات بين حماس والسلطة الفلسطينية تتفاقم، وسط تدخلات إسرائيلية تريد إدراج شخصيات قريبة منها.
طريق محفوف بالمخاطر.. واحتمالات الحرب قائمة
شبه بعض الكتاب خطة ترامب بـ"الزواج البروتستانتي"، الذي يحظى بتأييد الجميع دون أن يعرف أحد كيف سيتم تنفيذه فعليًا، فالأطراف جميعها تخوض معارك لحماية مصالحها، ما يجعل مسار التنفيذ محفوفًا بالمخاطر.
وعلى الرغم من نجاح الخطة حتى الآن في وقف الحرب الشاملة التي استمرت لعامين، فإن مستقبلها غامض، فقد لوح مسؤولون إسرائيليون بإعادة الحرب إذا لم تسلّم حماس سلاحها، وهو ما يعني احتمالية اندلاع جولة جديدة من الصراع.
ورغم التزام حماس بالاتفاق، تشير خطوات حكومة نتنياهو إلى تجاهل واضح للعديد من بنود وقف النار، مما يعزز مخاوف العودة للمواجهة، ويلقي على عاتق دول مجموعة الثماني العربية الإسلامية مسؤولية الضغط على إسرائيل لضمان استمرار الخطة بأقل خسائر ممكنة على غزة وأهلها.
