دولة تصدر الموت وتعيد الأحياء بشهادات دفن رسمية.. والمقابل غير متوقع

الفلبين
الفلبين

في الوقت الذي يقصد فيه ملايين السياح الفلبين للاستمتاع بالطبيعة والشواطئ الخلابة، يكشف الجانب الآخر من هذا البلد عن عالم سري ومظلم، حيث يتحول الموت إلى تجارة مزدهرة، والاختفاء إلى خيار متاح مقابل بضع مئات من الدولارات، وهنا، لا تحتاج إلى أن تموت فعليًا للحصول على شهادة وفاتك فيكفي أن تمتلك المال والرغبة في الهروب.

جنة الهاربين

انتشرت في الفلبين خلال السنوات الماضية ظاهرة غريبة صنفتها تقارير دولية بأنها "صناعة الموت الزائف"، حيث يستطيع أي شخص، سواء كان مجرمًا هاربًا أو محتال تأمين أو حتى فرداً يريد الهرب من حياته الأسرية، أن يحصل على "مجموعة الموت"، وه. ملف كامل يحتوي على شهادة وفاة رسمية باسمه، مدعومة بوثائق طبية وقانونية.

تعتمد العملية على شراء جثة مجهولة الهوية من المشارح—عادة جثث لمشردين أو فقراء لا يطالب بهم أحد—ثم تسجل الوفاة رسميًا باسم الشخص الذي يريد الاختفاء.

والمفاجأة أن الأسعار ليست باهظة كما قد يتخيل البعض، إذ تتراوح بين 100 و300 دولار لشهادة وفاة مزيفة، بينما تصل "الباقة المتكاملة" التي تشمل تخطيط حادث وهمي وترتيب جثة بديلة إلى 20 ألف دولار.

داخل الصناعة السرية

بدأت الصحفية الأمريكية إليزابيث غرينوود رحلتها الغريبة نحو هذا العالم المظلم عندما سمعت صديقة لها تشتكي ديونها، ليرد أحدهم مازحًا: "سافري إلى دولة آسيوية… واعملي شهادة وفاة وانسي المشكلة".

لكن تلك المزحة قادتها إلى اكتشاف شبكة كاملة من المحتالين والمستشارين والمتخصصين في "قتل الهوية الأصلية" لأشخاص يريدون بدء حياة جديدة.

692015f34c59b76b97447664.jpeg


 

وجدت خلال بحثها أن تقارير صحفية تعود إلى الثمانينات تحدثت عن "مشرحة خاصة" في إحدى دول جنوب شرق آسيا تجمع الجثث غير المطالب بها وتبيعها، ولم تكن تلك الدولة سوى الفلبين.

مغامرة الموت

عام 2013، سافرت غرينوود إلى مانيلا لتجربة الأمر بنفسها في إطار تحقيق صحفي، وتعاون معها رجلا أعمال محليان نسقا حادث سير وهميًا بالكامل:

  • سيارة اصطدمت بمركبتها المستأجرة
  • شهود جاهزون مسبقًا
  • تقرير طبي يثبت الوفاة
  • وتعاون من موظف داخل وكالة حكومية لإصدار شهادة الوفاة الرسمية.

لم يحدث أي حادث في الحقيقة، لكن الورق كان كافيًا لإعلان موتها رسميًا في سجلات الدولة.

ولكي لا تتهم بالاحتيال، سارعت فورًا لإبلاغ السفارة الأمريكية عن التجربة، ثم عادت إلى بلادها تحمل شهادة وفاتها المزيفة، والتي تحتفظ بها اليوم كتذكار لرحلة صحفية لا تصدق، ولاحقًا، حولت تجربتها إلى كتاب أصبح مرجعًا عالميًا عن ظاهرة "الموت الوهمي".

692015c34c59b76ae3504a9d.jpg


 

سوق لا تنام

ما زالت الفلبين حتى اليوم واحدة من أكثر الدول نشاطًا في تجارة وثائق الوفاة المزيفة، وتبلغ تكلفة "الحزمة الأساسية" حوالي 500 دولار فقط تشمل:

  • شهادة وفاة رسمية
  • تقرير طبي
  • توثيق حكومي
  • جثة بديلة مجهولة الهوية

أما قائمة الزبائن فهي أكثر غرابة:

  • مصرفيون ورجال أعمال يهربون من ديون ضخمة.
  • محتالون يريدون الحصول على أموال التأمين.
  • مجرمون يفرون من العدالة.
  • أزواج يريدون الإفلات من مسؤولياتهم الأسرية.

وبسبب هذه الظاهرة، أصبحت الفلبين تتصدر سنويًا قائمة الدول التي تسجل أكبر عدد وفيات سياح أمريكيين في سجلات الخارجية الأمريكية—عدد كبير منها ليس حقيقيًا إطلاقًا.

يصنف خبراء السلوك هذه الظاهرة كأحد أشكال الهروب المتطرف من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، فالبعض يفعلها ليبدأ حياة جديدة باسم مختلف، وآخرون يهربون من ماضيهم، من دين، من زوجة، من ملاحقة قانونية أو حتى من أنفسهم.

روسيا اليوم