التعليم في غزة بعد الحرب: عبء مالي ونفسي يثقل الأسر

التعليم في غزة
التعليم في غزة

غزة/ البوابة 24- رؤى القطاع

تسبّبت الحرب الممتدة في غزة بانهيار شبه كامل للمنظومة التعليمية، تاركة مئات آلاف الأطفال خارج المدارس، وأجبرت الأسر على البحث عن بدائل مكلفة في ظل انعدام الخيارات. بين الدمار الواسع للمؤسسات التعليمية، والنزوح المستمر، وغياب البيئة الصفية الآمنة، تحوّل التعليم من خدمة عامة مجانية إلى عبء مالي ونفسي يثقل كاهل العائلات. في هذا السياق المضطرب، تلجأ الأسر إلى المراكز الخاصة رغم ارتفاع رسومها واكتظاظها، في محاولة لتعويض الفاقد التعليمي ومنع ضياع مستقبل أبنائها، فيما تتسع الفجوة التعليمية والاجتماعية بين من يملك القدرة على الدفع ومن لا يملك.

 آلاء النجار، أم لثلاثة أطفال، وجدت نفسها مضطرة للاعتماد على المراكز الخاصة لمتابعة تعليم أبنائها رغم التكلفة المرتفعة، بعد أن كان التعليم مجانيًا في المدارس الحكومية ومدارس الأونروا. وتوضح أنها تدفع 100 شيكل شهريًا لكل طفل إلى جانب تكاليف الكتب والقرطاسية، وهو مبلغ يفوق قدرة الأسرة. وتصف تحوّل العملية التعليمية إلى غرف ضيقة بلا نشاطات أو جو مدرسي، ما أثر على نفسية أطفالها، خاصة ابنتها حنان التي فقدت روتين المدرسة وأمان الطريق إليها.

وتتكرّر المأساة ذاتها لدى مي مرشد، أم لأربعة أطفال، إذ تشير إلى أن التعليم أصبح يستنزف نصف ميزانية الأسر في ظل البطالة وانهيار مصادر الدخل. فالمراكز الخاصة المكتظة باتت البديل الوحيد، بينما يُجبر الأطفال على العمل في جمع الحطب أو انتظار المياه بدل الذهاب للمدرسة. وتؤكد أن الأهالي لم يتوقعوا يومًا دفع رسوم للتعليم، فيما تُدرَّس المواد الأساسية كلٌ على حدة وبأسعار متفاوتة، وتظل الإنجليزية الأعلى تكلفة. وتقول إن غياب المدرسة بكل تفاصيلها من نشاطات وأصدقاء أثّر سلبًا على تركيز الأطفال واستقرارهم النفسي، فيما تتحمل الأسر ضغطًا ماليًا لا طاقة لها به. وترى أن الحل يكمن في توفير تعليم مجاني، وتقديم القرطاسية، وإنشاء صفوف قرب أماكن النزوح لتخفيف العبء على الأهالي.

أما أماني البنا، أم لطفلين، فتصف صعوبة استمرار تعليم أبنائها بعد انقطاع دام ثلاث سنوات منذ بدء الحرب. وتقول إنها تدفع 70 شيكلًا للابن الأصغر و100 للأكبر، ما يضطرها إلى إعادة ترتيب نفقات الأسرة أو تأجيل الدفع. وتضيف أن المراكز المكتظة والمسافات الطويلة ترهق الأطفال وتضعف تحصيلهم، فيما يبقى التعليم المنزلي عاجزًا عن تعويض غياب البيئة الصفية. وتشدد على ضرورة إنشاء صفوف مؤقتة ودعم المراكز لتخفيف الرسوم، مؤكدة خوفها الأكبر من ضياع مستقبل أبنائها وتأخرهم عامًا جديدًا.

غلاء أسعار الدروس: انعكاس لواقع الحرب وليس لتحسن الجودة

يرى الخبير التربوي أحمد صلاح أن ارتفاع أسعار الدروس في المراكز التعليمية خلال الحرب تحوّل إلى ظاهرة تهدد العدالة التعليمية. فمع تدمير المدارس وتشتيت المعلمين وانقطاع الدوام، لجأ الطلاب إلى هذه المراكز لتعويض الفاقد التعليمي، ما رفع الطلب بشكل كبير. في المقابل، ارتفعت تكاليف التشغيل، من كهرباء واتصالات واستئجار مقار بديلة، فانعكس ذلك مباشرة على الأسعار.

ويؤكد صلاح أن هذا الغلاء لا يعني تحسين جودة التعليم، بل يعكس ظروفًا قاهرة فرضتها الحرب. ويشير إلى أن ذلك خلق فجوة حادة بين الطلاب القادرين على دفع الرسوم وغير القادرين، ما يؤدي إلى خسارة تعليمية ونفسية عميقة لدى الفئة الأكبر من الأطفال. ويحذّر من أن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى جيل غير متكافئ في فرصه الأكاديمية، داعيًا إلى وضع ضوابط مرحلية للأسعار، وتوفير مجموعات تقوية مجانية أو منخفضة التكلفة داخل مراكز الإيواء والمدارس غير المتضررة، إضافة إلى دعم المعلمين وتطوير مواد تعليمية رقمية منخفضة التكلفة.

خلفية رقمية: قطاع تعليمي محطّم بالكامل

كشف المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، في تقرير بمناسبة مرور عامين على الحرب التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عن تدمير شبه كامل للبنية التعليمية. فقد كان في القطاع قبل الحرب 796 مدرسة و17 جامعة وكلية مجتمع تستوعب نحو 800 ألف طالب وطالبة، لكن 95% من المدارس تضررت، و90% منها تحتاج إعادة بناء أو تأهيل رئيس. كما تعرض 668 مبنى مدرسيًا للقصف المباشر، ودُمرت 165 مؤسسة تعليمية كليًا و392 جزئيًا.

وأسفرت الحرب عن استشهاد 13,500 طالب، وحرمان 785 ألفًا من التعليم، إلى جانب مقتل 830 معلمًا وكادرًا تربويًا و193 أكاديميًا وباحثًا. وأكدت وكالة "الأونروا" أن أكثر من 600 ألف طفل يعانون صدمة نفسية شديدة، في حين تحولت مدارسها إلى مراكز لجوء مكتظة بالنازحين، ما جعلها غير صالحة للتدريس.

البوابة 24