تشكيل هيئة وطنية للنازحين في قطاع غزة: ضرورة إنسانية ومهمة وطنية عاجلة

كتب : وليد العوض*

أدّت حرب الإبادة الشاملة التي شنّها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة على مدار عامين إلى استشهاد ما يقارب 70 ألف فلسطيني، نصفهم من النساء والأطفال، وتدمير نحو 90٪ من المباني والمساكن. وقد سوّى الاحتلال بالأرض محافظة رفح، ومناطق واسعة من شمال القطاع وشرق خانيونس وشرق محافظة غزة، وبات يسيطر فعليًا على نحو 53٪ من مساحة القطاع. هذا الدمار الواسع أدى إلى تشريد أكثر من مليوني فلسطيني من بيوتهم المدمرة، واضطرارهم للنزوح مرات عدة، ليعيشوا اليوم في ظروف قاسية داخل خيام بالية تقتلعها الرياح وتغمرها مياه المطر، أو في مراكز إيواء مكتظة تفتقر لأدنى شروط الحياة الإنسانية، محصورين في أقل من 20٪ من مساحة غزة.

هؤلاء النازحون يفتقدون لمقومات الحياة الأساسية من ماء وغذاء ودواء، بعد أن دمّر العدوان كل شيء. وقد تُركت مسؤولية الإغاثة لعشرات المؤسسات الأهلية والدولية التي تعمل منذ عامين في ظروف صعبة، وتُقيّد حركتها سلطات الاحتلال التي تتحكم بإدخال الاحتياجات، وتمنع وكالة "الأونروا" من القيام بدورها رغم أنها الجهة الأكثر خبرة وقدرة في هذا المجال. ومع دخول فصل الشتاء، تزداد الصورة قتامة، ويبدو أن حالة النزوح ليست ظرفًا مؤقتًا، بل مرشحة للاستمرار لسنوات، في ظل غياب أفق واضح لإعادة الإعمار. كل ذلك يجعل من الواجب البحث الجاد عن حلول وطنية مسؤولة، تتجاوز المناشدات والجهود المبعثرة. فالوضع الإنساني في غزة يؤكد أن القطاع بات منطقة منكوبة بكل المعايير، ولا يمكن ترك النازحين فريسة لواقع يزداد سوءًا.

أمام هذه الكارثة، بات من الضروري الإسراع في تشكيل *هيئة وطنية لرعاية النازحين*، تتوفر لها كافة الامكانيات بما يمكنها من تولي تنسيق وتوفير الخدمات الأساسية للنازحين بما يحفظ كرامتهم وحقوقهم الإنسانية. ويجب أن يتم ذلك عبر *مرسوم رئاسي* يترافق مع إنشاء *صندوق وطني لدعم ورعاية النازحين*، يخضع لرقابة شفافة ويجسد الطابع الوطني لهذه المهمة ، فالرعاية الكريمة ليست منّة من أحد، بل مسؤولية وطنية جماعية، يجب أن تتكامل مع الجهد السياسي والدبلوماسي لتحميل الاحتلال المسؤولية القانونية والمالية الكاملة عمّا ارتكبه، ومطالبة المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته.

إن الخروج من هذا الواقع الكارثي لا يبدأ فقط بإعادة الإعمار، بل بإعادة الكرامة التي تنتهك يوميًا في الخيام ومراكز الإيواء وطوابير الماء والغذاء. فصون الحق بالحياة الكريمة هو الخطوة الأولى نحو ترميم الجراح وتعزيز صمود الناس، وإفشال كل محاولات التهجير والاقتلاع.
*غزة، 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2025*

البوابة 24