إعداد وتقرير: د. شرين الناجي
يشهد المجتمع الفلسطيني في السنوات الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات التفكك الأسري، وتحديدًا في أعداد حالات الطلاق، ما يثير قلقًا مجتمعيًا واسعًا حول تداعيات هذه الظاهرة على البنية الاجتماعية، وعلى منظومة القيم ودور المؤسسات في الحدّ منها. ويشير مختصون اجتماعيون وأسريون إلى أن الطلاق لم يعد حالة فردية أو استثنائية، بل ظاهرة تتسع بفعل عوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية باتت تضغط على الأسرة الفلسطينية، في ظل واقع سياسي واقتصادي بالغ التعقيد. أسباب اقتصادية واجتماعية ضاغطة تُعدّ الظروف الاقتصادية الصعبة في الضفة الغربية وقطاع غزة أحد أبرز أسباب تصاعد الطلاق. ارتفاع معدلات البطالة، تراجع الدخل، غلاء المعيشة، وغياب الاستقرار الاجتماعي؛ جميعها عوامل تُفاقم الاحتقان داخل الأسر. كما تلعب الضغوط النفسية الناتجة عن الاحتلال، والحواجز، وتقييد الحركة دورًا إضافيًا في زعزعة التوازن الأسري. وتشير دراسات محلية إلى أن ضعف الوعي الأسري قبل الزواج، ونقص البرامج الإرشادية، وارتفاع الزواج المبكر في بعض المناطق، كلها عناصر ساهمت في هشاشة العلاقة بين الزوجين وعدم قدرتهم على إدارة الخلافات اليومية. انعكاسات الطلاق على الأطفال والمجتمع يمتدّ تأثير التفكك الأسري إلى الأطفال الذين يُعدّون الأكثر عرضة للضرر. فغياب أحد الوالدين أو عيشهم في بيئة نزاع دائم ينعكس على التحصيل الدراسي، والسلوكيات، والصحة النفسية. ويؤكد خبراء علم الاجتماع أن الأطفال من أسر مفككة قد يواجهون تحديات أكبر في بناء علاقات سليمة مستقبلًا، وفي الاندماج داخل محيطهم الاجتماعي. أما على المستوى المجتمعي، فيؤدي اتساع رقعة الطلاق إلى إضعاف منظومة التكافل، وزيادة الضغوط على مؤسسات الرعاية الاجتماعية، وتراجع استقرار الأسرة الممتدة التي كانت تقليديًا تقوم بدور داعم أساسي في حل النزاعات وضمان التماسك الاجتماعي. دور المؤسسات الرسمية والمجتمعية تواجه المؤسسات الرسمية مسؤولية مباشرة تجاه وضع خطط عاجلة لمعالجة الظاهرة، تبدأ من تعزيز الإرشاد الأسري قبل وبعد الزواج، وتطوير التشريعات التي تضمن حماية حقوق الطرفين والأطفال، مرورًا بدعم برامج التمكين الاقتصادي للنساء والفئات الأكثر هشاشة. كما دعا مختصون إلى ضرورة تأهيل مرشدين نفسيين واجتماعيين داخل المحاكم الشرعية ومراكز الإصلاح الأسري، وتفعيل دور المدارس في التوعية بالقيم الأسرية، وتخصيص حملات وطنية موسّعة لنشر ثقافة الحوار داخل الأسرة. المطلوب لحماية الأسرة والمجتمع يرى خبراء الأسرة أن الحدّ من التفكك الأسري يتطلب رؤية شاملة تقوم على: 1. تعزيز التعليم الأسري ما قبل الزواج عبر برامج إلزامية تُعنى بمهارات التواصل وإدارة الخلافات. 2. تطوير تشريعات الأحوال الشخصية بما يضمن عدالة الإجراءات وحماية حقوق الزوجين والأطفال. 3. تمكين المرأة اقتصاديًا بما يقلّل من التبعية النفسية والمالية التي قد تزيد من حدّة النزاعات. 4. توفير خدمات الدعم النفسي بشكل واسع وميسّر، خصوصًا للأطفال المتضررين من الطلاق. 5. تفعيل الشراكات بين المؤسسات الرسمية والأهلية لبناء منظومة حماية اجتماعية فعّالة. خاتمة تؤكد د. شرين الناجي في تحليلها أن الأسرة الفلسطينية كانت ولا تزال الركيزة الأساسية لصمود المجتمع واستمراريته، وأن تماسكها يشكّل خط الدفاع الأول في مواجهة الضغوط السياسية والاقتصادية. لذلك فإن حماية الأسرة ليست مسؤولية فردية أو مؤسساتية فقط، بل مسؤولية مجتمعية كاملة تتطلب تكاتفًا ووعيًا وتشريعات قادرة على مواجهة التحديات المتنامية، لضمان مجتمع فلسطيني أكثر استقرارًا وصلابة.
