غزة/ البوابة 24- جنين الوادية
في ظل انخفاض مستويات الأمن والسلامة الذي يشهده قطاع غزة خلال الحرب، تتصاعد التحديات التي تواجهها الصحفيات أثناء أداء عملهن؛ إذ لا تقتصر المخاطر على القصف والميدان، بل تمتد إلى انتهاكات مهنية داخل المؤسسات واعتداءات مجتمعية تغذيها حالة غياب القانون. شهادتان لصحفيتين تكشفان جانبًا من هذه الانتهاكات وتعقيدات البيئة التي يعملن فيها.
داخل بيئة العمل
لم تكف الضغوطات الواقعة علينا نتيجة الحرب، بل امتدت لتمسّ نفسيتي أكثر، بسلوك قاسٍ من أحد الزملاء الصحفيين خلال مهمة عمل -تقول- ميرال علي وهو اسم مستعار.
في التفاصيل، تتحدث الصحفية التي تبلغ من العمر 30 عامًا، إنها تعرضت لسلوك "غير مهني" من زميل لها خلال ترتيبات تصوير "بودكاست"، داخل إحدى المؤسسات الإعلامية.
تروي أن الأمر بدأ بمجاملة وحديث وصفته "لطيف"، ظننته تعاملًا طبيعيًا، لكنه سُرعان ما تجاوز الحدود المهنية إلى المُهينة، إذ قال لها بعد الاتفاق على حلقة تصوير ستعرض فيها تجربتها بالعمل تحت الحرب "سأكون غدًا أنا وأنت في غرفة البودكاست، وفيها سيغلق الباب علينا".
حاولت ميرال التعامل مع الموقف بهدوء، وضعت تبريرًا بأنها ربّما فهمت الأمر خاطئًا، ذهبت إلى موعدها في حينه لكن ما جرى داخل غرفة التسجيل كان صادمًا لها.
توضح: "أصر الزميل على مصافحتي رغم رفضي للأمر ومعرفته المسبقة بأنني لا أفضل ذلك، كرر محاولات اللمس بطريقة مخالفة لحدود العمل والمهنية، وهنا ما كان بي إلا أن نهضت وانسحبت من المكان فورًا".
توجهت الصحفية لتقديم شكوى رسمية إلى نقابة الصحفيين الفلسطينيين في قطاع غزة، لضمان حماية بيئة العمل وردع أي محاولات انتهاكات أخرى مشابهة قد تتعرض له، خاصة مع غياب القانون والمحاسبة بسبب ظروف الحرب الإسرائيلية التي تمر على قطاع غزة، مؤكدة "رفعت الشكوى دفاعًا عن حقي ولمنع تكرار الأمر مع أي صحفية أخرى".
اعتداء في الشارع
وفي سياق آخر من الانتهاكات التي تواجهها الصحفيات خلال فترة الحرب نفسها، تعرّضت الصحفية التي لم تفضّل الكشف عن اسمها أيضًا (خ.م) لاعتداء لفظي وجسدي من قبل مجموعة من الأطفال خلال تغطيتها في منطقة المدفع بدير البلح وسط القطاع.
تقول إنها فوجئت بفتاة لم تتجاوز الخامسة عشرة تبدأ بتوجيه سلسلة من الشتائم القاسية، ثم تجمع حولها أطفال تتراوح أعمارهم بين الخامسة و15 عامًا، وبدأوا بمضايقتها جسديًا ومحاولة ابتزازها ماليًا.
تروي بأنها حاولت تجاهل الأمر، لكن الهجوم تصاعد بشكل وصفته بـ"الخطير"، حيث اعتدت الفتاة عليها جسديًا بالضرب، حتى بدت آثاره واضحة والخدوش امتدت لتحت الجلد.
وفق إفادتها، فقد تدخل أحد أصحاب المحلات المجاورة لمساعدتها، وبقيت في المكان حتى وصلت عائلتها التي أبلغت بدورها إحدى الجهات المختصة لمتابعة قضيتها لاحقًا.
وتشير الصحفية إلى أنها عانت آثارًا جسدية ونفسية استمرت لأسابيع، شملت ارتفاع الحرارة، حالات إغماء، وآلامًا مستمرة، إضافة إلى خوف دائم جعلها تتجنب التعامل مع أي متسول رغم أنها كانت تساعدهم سابقًا.
على مستوى أوسع، تسلط الشهادتان الضوء على واقع مركّب تواجهه الصحفيات في قطاع غزة؛ فإلى جانب خطورة التغطيات الميدانية في المناطق المستهدفة، تظهر تحديات أخرى كالانتهاكات المهنية داخل المؤسسات الإعلامية، إضافة إلى الفوضى المجتمعية الناتجة عن انهيار المنظومة الأمنية والعمل في بيئة ضاغطة نفسيًا وجسديًا.
النقابة تتابع
أمام هذه الانتهاكات المتنوعة وتداعياتها على سلامة الصحفيات، يبرز الدور المؤسسي في المتابعة والمساءلة. بدورها، تؤكد نقابة الصحفيين الفلسطينيين في غزة (وفق الشكوى المقدمة من إحدى الصحفيتين) أنها تتابع القضايا المتعلقة بالاعتداءات أو السلوك غير الأخلاقي داخل المؤسسات الإعلامية، داعية إلى توفير بيئة عمل آمنة للجميع.
وتقول ميسون كحيل وهي نائبة رئيسة لجنة النوع الاجتماعي في نقابة الصحفيين الفلسطينيين إن الانتهاكات التي تعرضت لها الصحفيتان، سواء داخل بيئة العمل أو خلال التغطية الميدانية، تعكس واقعًا خطيرًا يتطلب تدخلًا عاجلًا.
وتضيف بأن النقابة تنظر إلى هذه الشهادات بوصفها مؤشرات على اتساع دائرة المخاطر التي تمسّ الصحفيات في واقع تعمل فيه الزميلات دون أي منظومة حماية فعّالة، وفي ظل حالة الفوضى التي خلفتها الحرب وغياب الحدّ الأدنى من الأمن المجتمعي.
وتشير كحيل إلى أن نقابة الصحفيين بدأت بالفعل متابعة الشكوى الرسمية المقدمة من إحدى الزميلات بشأن السلوك غير المهني داخل مؤسسة إعلامية، وأن الإجراءات تسير وفق بروتوكولات المساءلة المتبعة، بما يضمن حماية حق المشتكية ومنع تكرار الحادثة.
أما عما تعرضت له الصحفية الأخرى في الشارع من اعتداء جسدي ولفظي، تعقب: "هذا الأمر يسلّط الضوء على جانب آخر من العنف المجتمعي، الذي يتفاقم مع الضغط النفسي والفوضى التي تسود القطاع".
كما تؤكد بأن النقابة لن تتهاون مع أي شكل من أشكال الانتهاك، وستواصل متابعة كل القضايا التي ترد إليها، داعية المؤسسات الإعلامية والجهات المسؤولة إلى توفير ضمانات حماية حقيقية للصحفيات أثناء ممارسة عملهن، باعتبار ذلك حقًا أساسيًا لا يمكن المساومة عليه.
