تكشف معطيات سياسية وعسكرية متطابقة أن تركيا بدأت استعدادات فعلية للانخراط في المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وهي المرحلة التي يُفترض أن تتضمن نزع سلاح حركة حماس ونشر قوة سلام دولية، ورغم التحفظات الإسرائيلية الواضحة، تصر أنقرة على أن تكون عنصرًا رئيسيًا في هذه القوة، مستندة إلى ثقلها الإقليمي وعلاقاتها المتشعبة مع مختلف أطراف الملف.
تجهيز قوات تركية لمهام خارجية محتملة
ووفق مصادر تركية مطلعة، تعمل وزارة الدفاع في أنقرة منذ فترة على إعداد وحدات عسكرية مدربة خصيصًا لتنفيذ مهام خارج الحدود مع تصاعد الترجيحات بأن يكون قطاع غزة الوجهة الأقرب لهذه القوات خلال المرحلة المقبلة، وتشمل هذه الاستعدادات تدريبات ميدانية وسيناريوهات عملياتية تتناسب مع طبيعة المهام الأمنية وحفظ السلام.
خبرات ميدانية سابقة وقواعد قائمة
وتستند تركيا في تحركاتها إلى سجل واسع من الانتشار العسكري الخارجي، حيث تمتلك قواعد وقوات عاملة في دول حليفة عدة، من بينها سوريا وليبيا، كما شاركت سابقًا في بعثات حفظ سلام دولية مثل وجودها العسكري في كوسوفو ضمن قوات يقودها حلف شمال الأطلسي، وهو ما يمنحها خبرة عملية تسهّل اتخاذ قرار الانتشار السريع وزيادة عدد القوات عند الحاجة.
الرهان على واشنطن لتجاوز الفيتو الإسرائيلي
وترى أنقرة أن مفتاح تجاوز الاعتراض الإسرائيلي يكمن في واشنطن، خاصة في ظل العلاقة الخاصة التي تربط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره التركي رجب طيب أردوغان، وتشير المصادر إلى أن تداخل الملفات الإقليمية بين البلدين قد يفتح الباب أمام ضغط أمريكي مباشر على تل أبيب لقبول الدور التركي ضمن القوة الدولية المزمع نشرها في غزة.
خلاف على الدور والحجم لا على المبدأ
وبحسب المعلومات، لا يتركز الخلاف فقط على مشاركة تركيا من حيث المبدأ، بل يمتد إلى حجم القوات ودورها داخل منظومة القوة الدولية، ففي حين تطالب أنقرة بدور قيادي إلى جانب دول عربية وإسلامية أخرى، تفضل إسرائيل حصر الدور التركي أو تقليص تأثيره داخل أي تشكيل أمني دولي.
قبول عربي وإسلامي للدور التركي
في المقابل، تعول عدة دول عربية وإسلامية على المشاركة التركية، معتبرة أن وجود جنود أتراك في غزة قد يقلل من احتمالات الاحتكاك المباشر مع حركة حماس، نظرًا للعلاقات التاريخية والسياسية التي تربط أنقرة بقيادة الحركة مما قد يمنح القوة الدولية هامشًا أوسع للعمل دون تصعيد.
الحسابات الأمريكية
وتنظر واشنطن إلى الدور التركي من زاوية أوسع، إذ ترى فيه فرصة لإعادة ضبط سلوك حركة حماس، وتحجيم ارتباطها الإقليمي، خاصة بعد تراجع نفوذ إيران في المنطقة نتيجة التطورات في سوريا ولبنان، كما تعكس هذه الرؤية تفضيل الإدارة الأمريكية لإدماج أنقرة في ترتيبات ما بعد الحرب بدل تركها خارج إطار الاتفاق الذي ترعاه.
سياق إقليمي معقد وعلاقات متوترة
ويأتي هذا التحرك في ظل توتر واضح بالعلاقات التركية–الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر 2023، ورغم ذلك لعبت أنقرة، إلى جانب مصر وقطر، دورًا بارزًا في الوساطة التي أفضت إلى اتفاق وقف إطلاق النار بعد عامين من المواجهات، غير أن انتقال الاتفاق إلى مرحلته الثانية أعاد الخلافات إلى الواجهة خاصةً بشأن شكل القوة الدولية وتكوينها.
خطة إدارة مدنية ومجلس سلام دولي
وتقترح الخطة الأمريكية، التي يتبناها الرئيس ترامب، إنشاء حكومة فلسطينية مؤقتة من التكنوقراط لإدارة غزة، بإشراف مجلس سلام دولي، تتولى قوة أمنية متعددة الجنسيات مهمة حفظ الأمن، إلا أن الاتفاق على تفويض هذه القوة وتركيبتها لا يزال يواجه عقبات سياسية وأمنية كبيرة.
إدارة مدنية وشرطة فلسطينية
وفي هذا السياق، أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن نزع سلاح حماس لا يمكن أن يتم دون إنشاء إدارة مدنية فلسطينية موثوقة، وقوة شرطة مهنية من الفلسطينيين أنفسهم، بعيدًا عن الفصائل، وأشار إلى أن الحركة أبدت استعدادًا لتسليم إدارة القطاع في حال توفرت هذه الشروط.
وقف نار هش ومستقبل مفتوح
ورغم تراجع وتيرة الهجمات الإسرائيلية منذ بدء سريان الاتفاق المرحلي في أكتوبر الماضي، فإن العمليات لم تتوقف تمامًا، ولا تزال إسرائيل تسيطر على أكثر من نصف مساحة القطاع، ويبقى انسحابها الكامل مرتبطًا بمراحل لاحقة تشمل نزع السلاح وانتشار القوة الدولية، دون جدول زمني واضح حتى الآن.
نتنياهو وترامب
ومن المنتظر أن يبحث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس ترامب، خلال لقاء مرتقب في واشنطن نهاية الشهر الجاري، آليات تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، وسط تساؤلات مفتوحة حول شكل الدور التركي، وحدود القبول الإسرائيلي، ومستقبل الترتيبات الأمنية في قطاع غزة.
