كشفت شهادات أدلى بها جنود وضباط في الجيش الإسرائيلي تفاصيل غير مسبوقة عن واحد من أخطر وأطول الأنفاق التي تنسبها إسرائيل لحركة حماس في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، والنفق، الذي أطلقت عليه قيادة “فرقة غزة” اسم "العصفور الأبيض" تحول – وفق الرواية الإسرائيلية – إلى نموذج معقد للبنية التحتية تحت الأرض، ونقطة ارتكاز لقيادات بارزة داخل الحركة.
عمق كبير وطول استثنائي
وبحسب ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية عن مشاركين في العملية، يمتد النفق على عمق يقارب 20 مترًا أسفل رفح، ويعد – من وجهة نظرهم – من أطول الأنفاق التي اكتُشفت في القطاع حتى الآن. وأشار أحد الضباط، المعروف بالحرف “م”، إلى أن طول النفق يتراوح بين 7 و10 كيلومترات، مما يجعله أقرب إلى شبكة مواصلات تحت الأرض أكثر منه ممراً عسكريًا تقليديًا.
تصميم متشعب وغرف إقامة دائمة
وأوضح الضابط أن النفق يتميز بهيكل شديد التعقيد، إذ يتفرع إلى مسارات متعددة ومتعرجة، ويضم عشرات الغرف الجانبية التي كانت مخصصة، وفق التقديرات الإسرائيلية، للإقامة والنوم، وأضاف أن هذه الغرف كانت تستخدم من قبل شخصيات قيادية في حركة حماس، ما يعكس – بحسب تعبيره – مستوى متقدمًا من التخطيط والاستثمار في البنية التحتية تحت الأرض.
جذور العملية
وتعود بداية الاهتمام بهذا النفق، بحسب الرواية الإسرائيلية، إلى ما قبل عام ونصف العام، حين تلقت إسرائيل معلومات تتعلق بمكان جثة ضابط من لواء “غفعاتي” كان قد أسر خلال عملية “الجرف الصامد” عام 2014، ومنذ ذلك الوقت، نفذت القوات الإسرائيلية سلسلة عمليات مكثفة استهدفت مواقع وأنفاقًا لحركة حماس في رفح، ضمن ما تصفه بملاحقة البنية التحتية الأعمق للحركة.
ممرات ضيقة وبيئة خانقة
ووفق توصيف “فرقة غزة”، فإن معظم أجزاء النفق ضيقة للغاية، ذات سقوف منخفضة مما يجبر المتحركين داخله على الانحناء لمسافات طويلة، كما أن الجدران مغطاة بطبقة من بلاط أبيض رقيق يُعرف باسم “الديبوم”، ما يمنحه مظهرًا موحدًا لكنه يزيد من الإحساس بالاختناق.
ووصف الجنود الذين عملوا داخله الأجواء بأنها مظلمة وقاسية مع شعور دائم بالضيق والاكتظاظ، مؤكدين أن الحركة داخل النفق كانت بطيئة وخطرة بسبب محدودية الرؤية وتشابك المسارات.
تفتيش دقيق بحثًا عن غرف مخفية
وأشار النقيب “م” إلى أن إحدى المهام الأساسية داخل النفق تمثلت في تفكيك الألواح المصفوفة على جانبي الممرات، وقال إن الجنود كانوا يتعاملون مع كل بلاطة على أنها مدخل محتمل لغرفة سرية أو مخبأ يستخدمه عناصر حماس، ما جعل عملية التفتيش بطيئة ومرهقة نفسيًا وجسديًا.
رسم خريطة كاملة لشبكة تحت الأرض
من جانبه، أوضح المقدم “ج” أن العملية بدأت بدراسة تقنية معمقة لمسار النفق، شملت محاولة تحديد طوله، وعمقه، وتشعباته، باستخدام مختلف الوسائل التكنولوجية المتاحة للجيش، وأضاف أن المرحلة الأهم جاءت لاحقًا، حين تمكنت الفرق المختصة من رسم خريطة شبه كاملة للنظام الداخلي للنفق.
وأكد أن هذه الخرائط كانت ضرورية لتوجيه فرق الهندسة العسكرية، وتسهيل الوصول إلى نقاط التقسيم الفرعية والمناطق الحساسة، ضمن خطة شاملة للتعامل مع النفق وتفكيك بنيته.
الأنفاق ساحة معركة صامتة
وتعكس هذه الشهادات، وفق الرواية الإسرائيلية، طبيعة “حرب الأنفاق” التي تدور بعيدًا عن الأنظار فوق الأرض، حيث تتحول المساحات الضيقة والمظلمة إلى مسرح عمليات معقد، يتداخل فيه الجانب الاستخباراتي مع العمل الهندسي والمواجهة غير المباشرة، في واحدة من أكثر ساحات القتال حساسية في قطاع غزة.
