حين تتحول الشعبوية إلى خطر على التمثيل الوطني

 بقلم: موسى نافذ الصفدي

عهد التميمي، مهما كان رصيدها النضالي محترمًا في مواجهة الاحتلال، لا يمنحها ذلك حق مصادرة الوعي الوطني ولا شطب التاريخ السياسي للشعب الفلسطيني. فالهجوم على منظمة التحرير الفلسطينية لا يمكن اعتباره موقفًا ثوريًا، بل هو قفز خطير فوق الحقائق التاريخية، وتماهٍ – مقصود أو غير مقصود – مع منطق تفكيك التمثيل الوطني الجامع. منظمة التحرير لم تُنشأ ببيان عاطفي أو اندفاعة شعبوية عابرة، بل شُيّدت بدماء الشهداء وتضحيات الأسرى ونضال أجيال كاملة، وانتزعت شرعيتها من الشعب قبل أن يعترف بها العالم ممثلًا شرعيًا ووحيدًا للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات. أما الادعاء بأن “غزة تمثل فلسطين”، فهو اختزال فجّ وإساءة مباشرة لملايين الفلسطينيين في الضفة والقدس والداخل واللجوء، وكأنهم خارج المعادلة الوطنية أو فائضون عن الهوية. غزة جزء عزيز من فلسطين، وصمودها مفخرة وطنية لا ينكرها إلا جاحد، لكن تحويل هذا الصمود إلى أداة لإلغاء المشروع الوطني الجامع هو خدمة مجانية للانقسام، وطعنة في خاصرة القضية. من يتحدث باسم فلسطين لا يملك الحق في تقسيمها سياسيًا، ولا في استبدال الإجماع الوطني بمنطق الجغرافيا الواحدة أو الفصيل الواحد. النقد السياسي حق، والمطالبة بالإصلاح واجب وطني، لكن التشهير بمنظمة التحرير وتبخيس دورها التاريخي ليس ثورية بل تهوّر سياسي، يفتح الباب أمام ضرب فكرة التمثيل الوطني نفسها، وهي آخر خطوط الدفاع الفلسطينية في مواجهة مشاريع التصفية والتذويب. القضية الفلسطينية أكبر من الأشخاص، وأعمق من الانفعالات، وأقدس من أن تُختزل بخطاب حاد يفتقر إلى المسؤولية الوطنية. ومن أراد حقًا الدفاع عن فلسطين، فليبدأ بالدفاع عن وحدتها السياسية، وعن عنوانها الجامع الذي لا بديل عنه: منظمة التحرير الفلسطينية.

البوابة 24