بقلم: موسى الصفدي
في أول يناير من عام 1965، سجل التاريخ الفلسطيني نقطة فارقة في مسيرة شعبٍ مقاوم، إذ انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة ظاهرة في التاريخ العربي المعاصر، كانت الشعلة التي أضاءت الطريق نحو الحرية والكرامة، ووقودها حلم شعبٍ سلبت أرضه وعذبت أيامه. كانت انطلاقة حركة التحرر الوطني الفلسطيني بمثابة الولادة الجديدة لهذا الشعب الأبي، شعبٌ لا يمكن أن يرضى بالذل ولا بالقهر، ويصر على أن تكون له كرامته وحقوقه في وطنه. في وقتٍ كانت فيه فلسطين تئن تحت وطأة الاحتلال والظلم، و الأمة العربية تغرق في مستنقع العمالة والخنوع، جاء الفجر الفلسطيني ليعلن أن الشعوب الحرة لا تسكت عن حقوقها، وأن الزمان لا يخلو من أبطالٍ يبددون ظلام الاستسلام. كان يوم الأول من يناير 1965 عيد النار الفلسطينية، يوم انطلقت رصاصات الحرية من بندقية ثائرٍ فلسطيني، ليهتف للعالم : هنا فلسطين، هنا التاريخ يعاد رسمه من جديد. في زمن العمالة والخنوع، كانت الثورة الفلسطينية رسالة من الكرامة و العزة تلك الرصاصة الأولى لم تكن مجرد بداية لعمل مقاوم، بل كانت بداية ميلاد شعبٍ عظيم يرفض الاستسلام، ويعلن بكل وضوح أن الأرض التي سلبت و اغتصبت لن تظل مستباحة. كانت الثورة الفلسطينية بمثابة رسالة لكل من يظن أن الفلسطينيين قد نسيوا وطنهم أو استسلموا لواقعهم المظلم، كانت هذه الرسالة تقول: "نحن هنا، ولن نغادر حتى نحقق حلم العودة وتقرير المصير". وفي هذه الذكرى المجيدة، على كل فلسطيني أن يستحضر كل تلك اللحظة التاريخية التي أعادت للشعب الفلسطيني زخم الثورة والأمل، بعد سنوات من الاضطهاد والتشرد. كانت تلك الرصاصة الأولى بمثابة إشارة البدء لمسيرة من النضال والتضحية المستمرة. لم يكن ذلك فحسب بداية لثورة في وجه المحتل، بل كان بداية لثورة في مواجهة الذل العربي أيضاً، التي كادت أن تتفشى في زمن الانكسار. انطلاقة باتجاه تحقيق الأحلام في عام 1965، انطلقت ثورتنا الفلسطينية ليس فقط لتحقيق الحرية والكرامة، بل لتحقيق أحلام شعبٍ كامل في العودة إلى دياره، في تقرير مصيره، في بناء دولته المستقلة على أرضه المقدسة، وعاصمتها القدس، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. لقد كانت تلك الانطلاقة بمثابة الفجر في قلب الليل الفلسطيني الدامس، حيث أضاءت الطريق للأجيال القادمة لتعرف أن هناك من لا يمكنهم المساومة على حرية وطنهم، أو التفريط في كرامتهم. أن فلسطين ليست مجرد أرضٍ محتلة، بل هي قضية إنسانية وقضية أمة بأسرها، وكان النضال الفلسطيني في سبيلها هو النداء الذي رفعه شعبنا ليحشد خلفه الأحرار في العالم. المجد للثورة الفلسطينية كلما مرت السنوات، تعمق فينا اليقين بأن هذا الشعب لا بد له من النصر، وأن الثورة الفلسطينية هي أعظم تعبير عن إرادة الحرية. المجد كل المجد للثوار الأوائل الذين أطلقوا رصاصات الأمل في قلب الظلام، ورفعوا شعار أن فلسطين حية، وأنها ستظل في الذاكرة وفي القلب. المجد لكل شابٍ حمل بندقيته ودمه على كتفه في معركةٍ لا تنتهي إلا بتحرير الأرض واستعادة الحقوق. إن انطلاقة الثورة الفلسطينية في 1 يناير 1965، هي ليس فقط ذكرى نضالٍ طويل، بل هي أيضًا رسالة للأجيال القادمة، رسالة مفادها أن لا وقت للخيبة، ولا مكان لليأس، وأن الحرية تستحق كل التضحيات. فلنستمر في حمل هذا المشعل، ولنعمل من أجل أن تعود فلسطين إلى أحضان أهلها، فكما قال الثوار الأوائل: "لن نغادرها إلا ونحن عليها". المجد لكل من ساهم في إحياء هذه الثورة، ولمن سقطوا من أجلها، ولمن حملوا لواءها حتى تكتمل في يومٍ ما. المجد لثورتنا التي أثبتت أنها ما زالت حية، ما زالت تسير نحو الأفق، ما زالت تطالب بالحرية والكرامة.
