أعاد مقطع مصور نشره عالم الزلازل الهولندي المثير للجدل فرانك هوغربيتس فتح ملف قديم جديد حول لغز بناء أهرامات الجيزة، بعد أن طرح تساؤلات وادعاءات غير تقليدية بشأن الجهة التي شيدت هذه الصروح التاريخية.
الفيديو، الذي حمل عنوانًا استفزازيًا حول هوية بناة الأهرامات أثار موجة واسعة من الجدل، خاصةً بعد أن نسب بناءها إلى معرفة فلكية وصفها بأنها "متقدمة بشكل يستحيل على المصريين القدماء امتلاكها".
مزاعم فلكية ومعادلات كونية مثيرة للريبة
ذهب هوغربيتس في طرحه إلى القول إن تصميم الأهرامات يعكس إلمامًا دقيقًا بحسابات كونية معقدة، تشمل أحجام الكواكب، وسرعة الضوء، ونقاط الأوج في مداراتها، واعتبر أن هذه المعارف، بحسب زعمه، لم تكن متاحة للبشر في تلك الحقبة الزمنية.
وتوقف عند تفاصيل معمارية محددة، مثل الثقوب الدقيقة المحفورة في الجرانيت الوردي شديد الصلابة، مشيرًا إلى أنها – وفق رأيه – نفذت بتقنيات غير معروفة في مصر القديمة، ما يفتح الباب، بحسب تعبيره، لتساؤلات حول الجهة الحقيقية التي نفذت هذا العمل الهندسي بالغ الدقة.
أسئلة حول النقل والمحاذاة الهندسية
وتساءل عالم الزلازل الهولندي عن الكيفية التي نقلت بها كتل الغرانيت الضخمة من مناطق تبعد مئات الكيلومترات، وكيف تم رفعها وتركيبها بهذه الدقة، كما لفت إلى أن الأهرامات الثلاثة لا تقع على خط مستقيم واحد تمامًا، مشيرًا إلى أن هرم منقورع ينحرف قليلًا عن خط هرمي خوفو وخفرع، رغم أن محاذاة الأهرامات مع الاتجاه الشمالي دقيقة إلى حد لافت.
ربط الأهرامات بالكواكب واصطفافات قديمة
وفي محاولة لإضفاء طابع علمي على طرحه، قدم هوغربيتس تحليلات رياضية قال إنها تكشف عن تطابقات بين أحجام الأهرامات وأحجام بعض الكواكب، وادعى وجود تشابه بين نسبة حجم هرم خوفو إلى هرم خفرع، ونسبة حجم كوكب الأرض إلى كوكب الزهرة.
كما زعم أن توزيع الأهرامات على هضبة الجيزة يتوافق مع اصطفاف كواكب عطارد والزهرة والأرض خلال شهري أبريل ومايو من عام 3088 قبل الميلاد، وهو اصطفاف – على حد قوله – لا يحدث إلا في ظروف فلكية نادرة، عندما يكون عطارد في أبعد نقطة له عن الشمس.
ولم يتوقف عند ذلك، بل ادعى أيضًا أن نسبة أبعاد قاعدة هرم منقورع إلى قاعدة هرم خوفو تتطابق مع نسبة نقاط الأوج المدارية لعطارد والأرض، معتبرًا أن هذه النسبة هي ذاتها تقريبًا وحدة القياس المعروفة بالذراع الملكية المصرية.
“هذا مستحيل”
وبناءً على هذه الحسابات، خلص هوغربيتس إلى استنتاج مثير للجدل مفاده أن هذه الدرجة من المعرفة الفلكية تتجاوز قدرات المصريين القدماء، متسائلًا باستغراب: كيف يمكن لحضارة قديمة أن تمتلك مثل هذه المعلومات؟ ليصل في النهاية إلى نتيجة مفادها أن الأمر "غير ممكن" وفق فهمه.
زاهي حواس يرد
في المقابل، جاء رد عالم الآثار المصري الدكتور زاهي حواس حادًا وقاطعًا، إذ وصف تصريحات هوغربيتس بأنها خليط من الخرافات والادعاءات غير العلمية، هدفها الأساسي – بحسب تعبيره – جذب الانتباه وصناعة “ترند” إعلامي على حساب الحقيقة التاريخية.
وأكد حواس أن أي حديث علمي يجب أن يستند إلى أدلة أثرية موثقة، وليس إلى تأويلات رقمية أو إسقاطات فلكية بلا سند.
الأدلة الأثرية تحسم الجدل
وأشار حواس إلى وجود وثائق أثرية دامغة، أبرزها بردية “وادي الجرف”، التي توثق بشكل واضح تفاصيل بناء هرم خوفو، بما في ذلك طرق نقل الأحجار عبر نهر النيل وشبكة القنوات المستخدمة آنذاك، كما استشهد بمقابر العمال المكتشفة قرب الأهرامات، والتي تؤكد أن من شيدوا هذه الصروح هم عمال مصريون مهرة، وليسوا كائنات غامضة أو حضارات مجهولة.
وشدد عالم الآثار المصري على أن الأهرامات إنجاز إنساني مصري خالص، يعكس عبقرية تنظيمية وهندسية سبقت عصرها، نافيًا بشكل قاطع أي صلة لما يُروج عن كائنات فضائية أو قوى خارقة.
الأهرامات بين العلم والشهرة الزائفة
وفي ختام رده، أكد حواس أن أهرامات الجيزة لا تحتاج إلى أساطير جديدة كي تبقى مبهرة، فهي قائمة على تاريخ موثق وعلم راسخ، ودعا إلى احترام هذا الإرث الإنساني العظيم، وعدم الزج به في نظريات بلا دليل، تخدم الشهرة أكثر مما تخدم المعرفة.
