حذر الخبير المالي مؤيد عفانة، اليوم الأحد، من دخول الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة الوطنية الفلسطينية مرحلة شديدة الخطورة، في ظل مرور ثمانية أشهر متتالية على قيام إسرائيل بتصفير كامل لإيرادات المقاصة، ما أدى إلى شلل شبه كامل في موارد الخزينة العامة.
فقدان ثلثي الدخل العام
وأوضح عفانة، في تصريحات لإذاعة صوت فلسطين، أن هذا الإجراء الإسرائيلي تسبب في حرمان الخزينة الفلسطينية من نحو 68% من إجمالي إيراداتها، مشيرًا إلى أن ما يجري لا يمكن اختزاله في كونه أزمة فنية أو مالية عابرة، بل يمثل سياسة مدروسة تستهدف إضعاف البنية الاقتصادية وتقويض أسس الكيان الفلسطيني عبر ما وصفه بـ“الخنق الاقتصادي”.
وفي تقييمه للدعم الخارجي، وصف الخبير المالي المساعدات الدولية المقدمة للسلطة بأنها متواضعة إلى حد بعيد، كاشفًا أن مجموع ما تم ضخه في الصندوق الطارئ للموازنة العامة منذ الإعلان عنه في سبتمبر الماضي لم يتجاوز 200 مليون دولار، وهو رقم لا يغطي سوى جزء بسيط من الاحتياجات الأساسية.
رواتب الموظفين رهينة المنح
وأشار عفانة إلى أن صرف 60% فقط من رواتب الموظفين خلال الشهر الماضي كان نتيجة مباشرة للمنحة السعودية البالغة 90 مليون دولار، مما يعكس هشاشة الوضع المالي واعتماد الحكومة على حلول مؤقتة بدل مصادر دخل مستقرة.
وتحدث الخبير عن مساهمات دولية قيد الترتيب من بينها دعم إسباني موجه للقطاع الصحي يشمل المستشفيات الخاصة وموردي الأدوية، إضافة إلى منحة ألمانية بقيمة 30 مليون يورو عبر آلية “تيداس”، لكنه شدد في المقابل على أن مجموع هذه المساهمات حتى عند اكتمالها يبقى أقل من متوسط إيرادات المقاصة لشهر واحد فقط والتي تُقدّر بنحو 300 مليون دولار.
تبعية اقتصادية مفروضة بالقوة
وعن أسباب الارتهان لإيرادات المقاصة، أوضح عفانة أن عدم سيطرة الفلسطينيين على المعابر والحدود جعل الموارد السيادية الأساسية خاضعة للتحصيل الإسرائيلي، ولفت إلى أن نحو 85% من منتجات التبغ والسجائر في السوق الفلسطينية مستوردة، وتخضع ضرائبها لسيطرة إسرائيل، وهو وضع مشابه في قطاعي المحروقات والكهرباء.
احتجاز أموال “ضريبة المغادرة”
وفي سياق متصل، كشف الخبير المالي عن قيام إسرائيل باحتجاز مبالغ ضخمة من عائدات “ضريبة المغادرة” المفروضة على المسافرين عبر معبر الكرامة، موضحًا أن المتراكم منها لصالح السلطة الفلسطينية بلغ نحو مليار و300 مليون شيكل، وأكد أن هذه الأموال تمثل حقًا أصيلًا للشعب الفلسطيني ولا يمكن اعتبارها منحة أو مساعدة من أي طرف.
دعوات لتحرك دولي عاجل
وفي ختام حديثه، وجه عفانة دعوة للدول التي اعترفت مؤخرًا بدولة فلسطين، وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا، من أجل الانتقال من المواقف السياسية إلى ممارسة ضغوط فعلية على إسرائيل للإفراج عن الأموال المحتجزة.
كما شدد على ضرورة توفير شبكة أمان مالية عربية ودولية بشكل عاجل، بالتوازي مع إعداد استراتيجية وطنية شاملة لعام 2026، تركز على تعزيز الإيرادات الذاتية وتقليص الاعتماد على المقاصة، التي باتت تستخدم، وفق وصفه، كأداة ضغط سياسي تهدد الاستقرار المالي والاقتصادي الفلسطيني.
