إسرائيل تسعى لاغتيال الأونروا

إسرائيل تسعى لاغتيال الأونروا: استهداف ممنهج لقضية اللاجئين وخرق صارخ للشرعية الدولية

بقلم: المحامي علي أبو حبلة

لم يعد استهداف “إسرائيل” لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أمرًا عارضًا أو مرتبطًا بادعاءات أمنية ظرفية، بل بات سياسة رسمية ممنهجة تهدف إلى اغتيال قضية اللاجئين الفلسطينيين، من خلال ضرب أحد أهم أعمدتها القانونية والإنسانية، في خرق فاضح لقرارات الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي. إن ما تشهده الأونروا اليوم من محاولات منع لعملها، ومصادرة لممتلكاتها، والتحريض السياسي والإعلامي عليها، يشكّل انتقالًا خطيرًا في سلوك دولة الاحتلال من انتهاك الحقوق إلى محاربة النظام الدولي نفسه، عبر السعي لإلغاء شاهد أممي حيّ على جريمة النكبة المستمرة منذ عام 1948. الأونروا: شاهد قانوني على جريمة لم تسقط بالتقادم تأسست الأونروا بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 لعام 1949، باعتبارها استجابة دولية مباشرة لتهجير الشعب الفلسطيني قسرًا من أرضه. ومنذ ذلك الحين، لم تكن الوكالة مجرد مؤسسة إغاثية، بل كيانًا قانونيًا أمميًا يجسد الاعتراف الدولي بمسؤولية المجتمع الدولي عن مأساة اللاجئين الفلسطينيين. وعليه، فإن استهداف الأونروا لا يعني تعطيل خدمات إنسانية فحسب، بل يمثل محاولة منظمة لشطب الصفة القانونية للاجئ الفلسطيني، وتقويض حق العودة المكفول بموجب القرار الأممي 194، والذي أكدت عليه عشرات القرارات اللاحقة. أدوات إسرائيلية متعددة لتصفية الوكالة تعتمد “إسرائيل” في حربها على الأونروا سياسة متعددة المستويات، يمكن توصيفها على النحو الآتي: أولًا: التحريض والتجريم السياسي من خلال توجيه اتهامات عامة للوكالة وموظفيها دون تقديم أدلة قانونية، في مسعى واضح لضرب مصداقيتها أمام الدول المانحة، ودفعها إلى تعليق أو وقف التمويل، وهو ما يشكل عقابًا جماعيًا لملايين اللاجئين. ثانيًا: تعطيل العمل الإنساني عبر إغلاق المكاتب، وفرض القيود على الحركة، ومنع إدخال المساعدات، لا سيما في قطاع غزة والقدس الشرقية، في انتهاك صريح لاتفاقيات الأمم المتحدة المتعلقة بحصانات وامتيازات الوكالات الدولية. ثالثًا: مصادرة الممتلكات والمنشآت أقدمت سلطات الاحتلال على مصادرة أو التهديد بمصادرة أراضٍ ومبانٍ تابعة للأونروا، في سابقة خطيرة تمثل اعتداءً مباشرًا على حرمة منشآت الأمم المتحدة التي تتمتع بحصانة كاملة بموجب القانون الدولي. رابعًا: استهداف الموظفين من خلال الاعتقالات، والملاحقات، والتشهير، وخلق بيئة عمل عدائية، بما يخالف قواعد القانون الدولي الإنساني التي تفرض حماية خاصة للعاملين في المجال الإنساني. الهدف الحقيقي: شطب قضية اللاجئين لا “إصلاح” الأونروا تدّعي “إسرائيل” أن هدفها هو “إصلاح” عمل الوكالة، غير أن الوقائع تثبت أن الغاية الحقيقية هي إنهاء وجود الأونروا بالكامل، باعتبارها العقبة الأكبر أمام تمرير الرؤية الإسرائيلية القائمة على إنكار النكبة واعتبار قضية اللاجئين ملفًا منتهيًا. إن تصفية الأونروا تعني عمليًا: إسقاط الاعتراف الدولي باللاجئ الفلسطيني.، شطب حق العودة من أي تسوية سياسية مستقبلية.، تحميل الدول المضيفة أعباء سياسية وأمنية واقتصادية. ، تحويل النكبة من جريمة قائمة إلى حدث تاريخي منسي.، انتهاك صارخ للشرعية الدولية هذا وتشكل الإجراءات الإسرائيلية بحق الأونروا انتهاكًا واضحًا لـ: ميثاق الأمم المتحدة.وقرارات الجمعية العامة الخاصة بالأونروا.واتفاقيات جنيف، لا سيما الرابعة.ومبدأ حماية العمل الإنساني. مبدأ عدم جواز العقاب الجماعي للسكان المدنيين. كما أن صمت المجتمع الدولي، أو الاكتفاء ببيانات القلق، يرقى إلى تواطؤ سياسي غير مباشر يسمح للاحتلال بمواصلة تقويض أسس النظام القانوني الدولي دون مساءلة. مسؤولية المجتمع الدولي إن الدفاع عن الأونروا ليس مسألة إنسانية فحسب، بل اختبار حقيقي لصدقية الأمم المتحدة والنظام الدولي. وتقع على عاتق الدول الأعضاء مسؤولية: ضمان تمويل مستدام وغير مشروط للوكالة. توفير الحماية القانونية والسياسية لموظفيها ومنشآتها. محاسبة “إسرائيل” على انتهاكاتها أمام المحافل الدولية. رفض أي محاولات لاستبدال الأونروا بكيانات بديلة تُفرغ قضية اللاجئين من مضمونها السياسي والقانوني. وفي الختام فإن استهداف الأونروا هو استهداف مباشر للذاكرة والحق والعدالة، وجزء لا يتجزأ من مشروع إسرائيلي أوسع لتصفية القضية الفلسطينية عبر بوابة اللاجئين. غير أن بقاء الأونروا، رغم كل الضغوط، يؤكد أن قضية اللاجئين لم تُغلق، ولن تُغلق، ما دام هناك شعب حُرم من أرضه وحقه في العودة. فالقضية ليست مسألة مساعدات، بل مسألة عدالة تاريخية وحق قانوني لا يسقط بالتقادم.

[email protected]

البوابة 24