عدوان غزة .. بين الإفلاس العسكري وقتل الحياة المدنية

د. وسام صقر
د. وسام صقر

بقلم:د. وسام صقر

خطوات غير محسوبة وحرب مدنية تستهدف الحياة من أجل تحقيق انتصارات وهمية أمام الرأي العام لدولة الاحتلال الإسرائيلي، فبعد أن حرض رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو المستوطنين للاستيلاء على منازل الفلسطينيين في حي الشيخ جراح واقتحام المسجد الأقصى، من أجل خلق حالة من التوتر لإفشل تحركات يائير لبيد زعيم كتلة هناك مستقبل لتشكيل حكومة بعد فشل نتنياهو في تشكيل حكومة يمينية. خطوات نتنياهو تجاه المسجد الأقصى والفلسطينيين في حي الشيخ جراح دفعت لتدخل المقاومة الفلسطينية من غزة وانتفاض الفلسطينيين في الداخل المحتل وفي الضفة الغربية، لتخرج الأمور عن السيطرة وعودة مشهد انتفاضة الأقصى عام 2000م والعدوان على غزة 2008 و2014م، والتي اختلف فيها أسلوب جيش الاحتلال الإسرائيلي عن العدوان الحالي. فعلى الرغم من إعلان نتنياهو عن وجود بنك من الأهداف سوف تستهدفها طائرات الاحتلال الحربية في العدوان على غزة، تهدف إلى ضرب المقاومة الفلسطينية في غزة، ومراكز قواها وعملياتها، إلا أن الاحتلال وإفلاسه سياسياً وعسكرياً ذهب باتجاه سيناريو أراد منه القضاء الحياة المدنية في غزة، وتدمير كل مقومات المجتمع، ولتحقيق ذلك اتبع إستراتيجية قامت على عدة مراحل: المرحلة الأولى، اتجه الاحتلال لضرب الأبراج المدنية خاصة التي تضم المؤسسات الإعلامية والصحفية من أجل قتل الحقيقة أمام الرأي العام العالمي والدولي، وتنفيذ مخططاته في التدمير والاستهداف دون رقيب أو حسيب، وتسويق الرواية الإسرائيلية المشوهة، فاستهداف أبراج "الجوهرة والجلاء والشروق وغيرها" والتي ضمت أكثر من 23 مؤسسة إعلامية وصحفية تشمل قنوات فضائية ووكالات أنباء وصحف وشركات إنتاج محلية ودولية، وهو أكثر مما استهدفته آليات الاحتلال العسكرية في الحروب السابقة، وذلك من أجل الإبقاء على صورة ورواية الاحتلال أمام المجتمع الدولي وصوغ المبررات لعمليات الاستهداف. أما المرحلة الثانية، فبدأ بتطبيق بروتوكول هانيبال وهي سياسة القصف العشوائي على منطقة جغرافية محددة، مطبقاً معها سياسة الحزام الناري والتي تقوم على تحديد منطقة جغرافية وضرب مداخلها ومخارجها باستهداف الطرقات فيها لمنع الدخول والخروج منها، ومن ثم البدء في تطبيق بروتوكول هانيبال من أجل إلحاق أكبر قدر من الضرر في البنية التحتية لهذه المنطقة الجغرافية وقتل أكبر عدد من المدنيين عبر إستهداف المباني السكنية وإنزالها على ساكنيها، وإدخال حالة من الرعب بين صفوف المدنين الأمر الذي يشكل عبءً على المقاومة والحكومة من أجل كسرها، وهو ما حدث خلال استهداف شمال غزة وشارع الوحدة. لينتقل بعد ذلك، إلى المرحلة الثالثة والتي تمثلت في استهداف الطرقات والشوارع الرئيسية ليطبق سياسة تقطيع المحافظة الواحدة إلى مربعات يسهل عليه الاستفراد بسكانها والقضاء عليهم وعلى الحياة داخل هذا المربع مع تحقيق صعوبة الدخول والخروج من هذه المربعات، وكأنه يطبق سياسة الغابات المحروقة والتي تضطر الحكومات إلى فصل منطقة الحريق عن باقي الغابة عند صعوبة السيطرة على النيران، فتأكل النار نفسها وتقضي على كل الأشجار الحية فيها، وهو ما يسعى لتحقيقه بتقطيع المحافظة لمربعات يصعب الدخول والخروج منها فلا تتمكن الإسعافات ولا طواقم الدفاع المدني أو الداخلية أو أي مؤسسة من الوصول إلى المنكوبين والمستهدفين من طائرات الاحتلال ولا يستطيعون الخروج من ذلك المربع، وقد حدث ذلك خلال استهداف شارع الوحدة والشوارع المطلة على مجمع الشفاء الطبي، فلم تستطع الإسعافات من الدخول أو الخروج من المجمع، وفي مناطق أخرى في الشمال. ليدخل في المرحلة الأخيرة إلى استهداف ما تبقى من الحياة المدنية، فبعد استهداف الطرق والشوارع الرئيسية وتدميرها، بدأ باستهداف كل المؤسسات المدنية الفاعلة، وذلك من خلال:

- ضرب المؤسسات الصحية الدولية كضرب الهلال الأحمر القطري.

- استهداف المصانع الضخمة في قطاع غزة من أجل تدمير الاقتصاد.

- استهداف الاستراحات والمطاعم على شاطئ بحر غزة من أجل القضاء على السياحة الضعيفة في غزة وعلى المردود الاقتصادي لها وتحقيق أكبر قدر من معدلات البطالة المرتفعة في غزة. - استهداف أعمدة الكهرباء والتلفون والانترنت، والمياه.

- استهداف الأراضي الزراعية وآبار المياه لتدميرها وجعلها غير صالحة للزراعة.

- استهداف المؤسسات التعليمية للقضاء على الحياة التعليمية في قطاع غزة.

- اعتماد أسلوب رش الدخان الخانق فوق المحافظات بشكل يومي في ساعات الليل المتأخرة.

- استخدام الأسلحة المحرمة دولياً في عمليات القصف مثل الفسفور والغاز السام والذي استهدف به مستشفى كمال عدوان في شمال قطاع غزة.

- استهداف المباني السكنية دون إبلاغ ساكنيها للتحقيق أكبر قدر من الخسائر البشرية والمادية.

- استهداف شريان الحياة الاقتصادية في محافظة غزة باستهداف أكبر شارعين بهما تسري الحياة الاقتصادية وهما شارع الوحدة وعمر المختار.

- استهداف المؤسسات الخيرية والإغاثية لتقليل حجم الإغاثة المقدم لشعب غزة خصوصاً النازحين منهم عن منازلهم.

- تطبيق سياسة القصف العشوائي للمدفعية طوال الليل لتحقيق أكبر نسبة من نزوح سكان المناطق الحدودية وقد تجاوز عدد النازحين أكثر من 200 ألف نازح.

- خلق حالة من الرعب لدى المدنيين بعد أن شطب الاحتلال عائلات بأكملها من السجل المدني باستهداف العائلات في منازلها والقضاء عليها.

كل تلك الإجراءات والخطوات لم تكن تستهدف فصائل المقاومة، بقدر ما كانت تستهدف الحياة المدنية في غزة، قد يرى البعض أن تلك حالة من الإفلاس العسكري لدى الاحتلال، ولكن الأمر مرتبط بقتل الحياة المدنية والقضاء على الحياة في غزة، وإثارة الفتنة داخل المجتمع لتشكيل ضغط على الحكومة والمقاومة من أجل رضوخها لشروط الاحتلال في التهدئة وإيقاف إطلاق النار من جانب واحد وهو الجانب الفلسطيني، ويبقى الأمر متروكاً لمدى الصبر، فكلما تقدم الوقت ضاق هامش المرونة لدى الاحتلال وقادته، وزاد حجم الانتقادات الدولية لسلوك الاحتلال تجاه غزة خلال عدوانها.

البوابة 24