" الدولة الفلسطينية على مرمى حجر"

بقلم: سعيد رمضان علي

هل نصر الفلسطينيين بدأ يتجه بهم نحو هزيمتهم ؟ وبالتالي خسارة كل المكاسب التي حققوها في العدوان الأخير؟ تظهر الخلافات الظاهرة الآن على السطح نفس الشرخ العميق الذي كان بارزا بين الفلسطينيين في السنوات الماضية. وأثناء العدوان اختفى هذا الشرخ، وانتابنا أمل بأنه انتهى إلى غير رجعة أمام رؤية واقعية لنهاية الصهيونية التي سقطت في الاختبار وانهارت أسطورتها، بسبب الواقع الصلب الذي واجهته، ولم يعد يجدي مع العالم التمثيلية الشهيرة: " اغتصاب دور الضحية" !!

وبعد عقود من تزوير التاريخ ومحاولة محو "الفصول البشعة الذاكرة الجماعية" انكشفت الحقيقة والأباطيل للعالم . نعود للسؤال : هل نصر الفلسطينيين بدأ يتجه بهم نحو هزيمتهم ؟ إن ما حصل من الفلسطينيين أثناء العدوان الأخير، والذى نعبر عنه " بانتفاضة موحدة" في جميع المدن الفلسطينية ، هو حاصل جميع المجازر ، والحصارات التي وقعت على الفلسطينيين طوال أكثر من 70 عاما، وضد عدالة عرجاء حان لها أن تستقيم، وقد بدأت تستقيم أمام عاصفة الفلسطينيين المدوية التي عرت الجلاد وكشفت حقيقته، وبما يقوم به من مجازر، وما شاهدناه على امتداد العالم من غضب على الدولة الصهيونية، وشجب علني شارك فيه أفراد عاديون من عموم الشعوب، وناشطون ومثقفون وفنانون ورياضيون من مختلف الجنسيات والثقافات هو نذير نهاية للصهيونية ، لقد تآكلت سمعة دولة الاحتلال وتشوهت صورتها.

للأسف أن كثير من الفلسطينيين قبل العدوان ، أساؤوا من حيث لا يدرون- أو يدرون- إلى القضية التي يدافعون عنها، بسبب الخلافات والانقسامات التي طحنت المواطن الفلسطيني، وساهمت بعض وسائل الإعلام العربي في تسفيه أنبل القضايا، وبواسطة هذا الإعلام طمست قضية الحقوق، أمام أكاذيب بيع الأرض، والنهب المالي لأموال الفلسطينيين من جانب بعض الفلسطينيين، وساهمت الاتفاقيات ومهادنة الاحتلال ، والتطبيع في زيادة توحش الاحتلال. الأن بعد التوحد الفلسطيني ، والانتصار المذهل الذي حققوه ، تظهر بوادر الخلافات والانقسامات من جديد ، ونسب الانتصار إلي فئة دون فئة، رغم أن الفلسطينيين كلهم شاركوا فيه، فالاعتداء على الأقصى وأهالي الشيخ جراح وصمودهن ، أشعل المقاومة المسلحة بغزة، وتلك أشعلت الانتفاضة في الضفة والقدس. ساهم في الانتصار الأجيال السابقة بداية من جيل 48 فقد ساهم كفاحهم الصارم ضد محو الذاكرة الوطنية، وضد طمس تاريخ شعب بأكمله، في نقل شعلة القضية من جيل لجيل، ولم يتركوا المجازر الرهيبة تذهب للنسيان، ولم يسمحوا ببناء تاريخ آخر على أنقاض تاريخهم، ساهم أيضا الأدباء والفنانين الفلسطينيين السابقين والحاليين، فالحفاظ على الهوية الفلسطينية في أعمالهم كان نوع من أنواع النضال الوطني، الإعلاميين الفلسطينيين أنفسهم ركبوا المخاطر وعرضوا نفسهم للموت بتصدرهم الصفوف من أجل تقديم صورة العدوان والمذابح على حقيقتها، لذا نسب الانتصار الأخير لفئة معينة هو نوع من التحريف الخطير وبث الفتن بين الفلسطينيين. وأخيرا نصل إلى اكثر المحاولات وقعا على النفس، هو محاولة النيل من الرمز الذي لا ينال" ياسر عرفات" إن نضال ياسر عرفات ليس من البساطة والتسطيح بحيث نضع نضاله في خانة التهريج، فهذا النضال يخضع لسياقات تاريخية محددة، ومواقف الزعيم الراحل لا يمكن فصلها عن هذه السياقات، ورغم أن نضاله لم يستكمل استقلاله، لكنه سيظل نضال يتفوق فيه ياسر عرفات على كل خصومه وأعدائه ، ويسحق هؤلاء الذين يثيرون الفتنة في الشارع الفلسطيني. إن المقولة الشهيرة " الدولة على مرمى حجر" ليست مجرد وهم ، لأن المقياس لا يتم بالمسافة بل بالزمن، وليس بالوهن لكن بالعزيمة ، وليس بالشكوى والتقاعس، ولكن بالإصرار والاستمرار، إنها نبوءة تاريخية ترى المستقبل في ضوء الواقع الذي عاشه ياسر عرفات، ونراها الآن في ضوء الواقع الذي نعيشه، وإذا كانت العوامل التي هبت مباشرة بعد ياسر عرفات قد أرجأت سقوط الحجر وبالتالي قيام الدولة، فعوامل مماثلة تظهر الآن على السطح ، ولا يمكن لمساحيق التجميل السياسية، أو ادعاءات البطولة المنفردة، أو النيل من الرموز ، أن تحجب الوجه القبيح للخلافات والانقسامات.

البوابة 24