بقلم: شفيق التلولي
الدور المصري الحالي في الأراضي الفلسطينية ليس وليد اللحظة، ولا يهدف لإخماد الحريق الذي شب على أثر هبة القدس التي أدت لاندلاع حرب غزة، وإعادة إعمار ما خلفته تلك الحرب فحسب، إنما يأتي استكمالاً لدور مصر التاريخي تجاه القضية الفلسطينية، وبخاصة ما أحرزته خلال ماراثون اجتماعات الفصائل الفلسطينية؛ لإنجاز ملف المصالحة الوطنية التي اخذت ترتسم ملامحها قبيل الحرب الأخيرة على قطاع غزة وما سبقها من أحداث في القدس.
إذ يهدف الحراك المصري الأخير لإحياء المسارين السياسي المتمثل في إيجاد تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، والوطني المبني على أساس استكمال تحقيق المصالحة الفلسطينية تمهيدًا لتحرير العملية السياسية من بازار الصفقات التصفوية، وبعض الاتفاقات التطبيعية التساوقية التي أحدثتها إدارة ترامب المنصرف، وجنوح نتنياهو الموشك على الرحيل، وذلك في زمن الانهيار العربي.
مما يؤكد أن لمصر دورًا جيواستراتيجيًا تؤمن به، وتؤديه في مجالها الحيوي كدولة محور لها أهميتها الجيوسياسية التي تفرض عليها القيام بدورها الريادي، ويساعدها في استمرار هذا الدور الاستراتيجي المنوط بها المناخ الإقليمي والدولي الذي بات مهيئًا الآن لإعادة ترتيب أوراق المنطقة برمتها، وهذا ما تشير إليه التقاربات الحاصلة بين دول عربية وإقليمية؛ فألقت مصر بثقلها لإعادة العربة إلى السكة بعد أن انحرفت بفعل الحرب الأخيرة التي كادت أن تفجر الوضع، وتشعل المنطقة برمتها.
ولعل إدارة بايدن التي تسعى للم وجمع ما شتته إدارة أوباما في إطار "الربيع العربي"، وإصلاح ما أفسدته إدارة ترامب في إطار "صفقة القرن"، حتى وإن كانت قد تأخرت تلك الإدارة في انتهاج سياسة خارجية جديدة ومغايرة لسلفها، لكن هذه السياسة الأمريكية الجديدة قد تسهم أيضًا في إنجاح دور مصر، وتوفر لها البيئة السياسية الملائمة لتحقيق أهدافها وبلوغ غاياتها، وهنا وجب القول إنه يحسب لمعركة القدس الأخيرة أنها فرضت على إدارة بايدن إعادة ترتيب أولوياته، ووضع الملف الفلسطيني في سلمها بعدما كان مؤجلاً لصالح الشأن الأمريكي الداخلي وقضايا أخرى.
هذا لا يعني أن نتكئ على الدور المصري فحسب ظنًا أنه جاء على خلفية نتائج المعركة الفلسطينية الأخيرة في مواجهة العدوان الإسرائيلي على القدس وغزة، ووفقُا لحسابات ميزان النصر والهزيمة والربح والخسارة؛ لأنه من المبكر الحديث عن انتصار سياسي لتلك المعركة بما تعنيه الكلمة يستند إليه بصرف النظر عن تداعياتها العسكرية، وما أحدثته من توازن في الردع أو معادلة الرعب.
فما زال هناك ما ينبغي على الفلسطينيين فعله والتقاط اللحظة، واستثمار نتائج تلك المعركة، وأولها الاستعداد للعملية السياسية المفترضة، ولا يتأتى ذلك إلا بتحقيق الوحدة الوطنية، وبناء استراتيجية جديدة يتوافق عليها الكل الفلسطيني، وهذا ما تسعى إليه مصر، ولعلها تفلح في ذلك.
نعم، دور مصر مهم وحيوي ومؤثر وفاعل، لكن ما حك جلدك غير ظفرك، والفعل يتعدى حدود رفع شعار تحيا مصر إلى حدود التعاطي الجدي والموضوعي مع كل المساعي التي يسعى إليها الفاعلون الدوليون، والرامية لحل قضيتنا الفلسطينية العادلة، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وفي مقدمة هذه المساعي مساعي مصر الكبيرة.