البوابة 24

البوابة 24

"وانهار البرج": أحلامنا رفات تحت الأنقاض أيضًا

ميسون كحيل وأمنية أبو الخير
ميسون كحيل وأمنية أبو الخير

فلسطين - البوابة 24

صابرين عزيز- خاص لبنفسج

في السادس عشر من شباط/فبراير 2021، بدأت الصحافية ميسون كحيل وزميلتها أمنية أبو الخير بالبحث عن موقع لانطلاق حلمهما، حتى وجدنّ شقة في الطابق الخامس من برج الجوهرة جاهزًا ليملأه الحلم، رتبت الصحفيتان الشقة، أخذت أمنية النباتات ووضعتها في المكان حتى يأخذ الموقع شكلًا يتناسب وشغفهنّ. هكذا صارت مدينة غزّة أكبر مكان في العالم بالنسبة للصحفيتين بعد بدء أولى خطوات بناء وكالة الأنباء الإخبارية "البوابة 24"، واختفت المدينة الضيّقة المحاصرة المختنقة بفرص البطالة الهائلة عندما نمى نبات الأوليفرا والصبار والكلانشو، وبعض النباتات الأخرى التي تعني من البداية القوة والمتانة.

 حين عادتا من جديد

1.PNG
 

كانت ميسون، قبل ذلك، تعمل في وكالة أنباء أخرى لمدة ستة عشر عامًا مع زميلتها أمنية التي التحقت بها قبل ثمانية أعوام في ذات الوكالة، لكنّ الموقع الذي عملتا فيه لساعاتٍ طويلة دون عائد مادي كافٍ لجهديهما؛ قرر أن يفصلهن عن عملهن قبل عام، بحجة جائحة الكورونا التي غزت العالم. تقول كحيل ل"بنفسج": "جربنا أن نعمل في مواقع أخرى بعد أن طُردنا من العمل؛ لكن المردود دائمًا كان زهيدًا مقابل ساعات العمل، لذلك، قررنا ألا نكرر نفس التجربة السابقة، لن تضيع طاقتنا في مكان لا يقدر تعبنا"؛ وهكذا ولدت فكرة "البوابة 24".

كانت لكحيل زاوية ثابتة بعنوان "بوابة الوطن"، في الموقع الذي كانت تعمل فيه سابقًا، تكتب المقال بذات العمود منذ اثني عشر عامًا، فجاءت بالكلمة الأولى منه مع إضافة 24، أي تغطية إعلامية على مدار الأربع وعشرين ساعة، وهكذا صار "البوابة 24" حقيقة ملموسة لهنّ؛ معتمدات على خبرتهن في المجال الإعلامي وطموحهنّ بأن يكون لهنّ عملهنّ الخاص، دون أدنى خوف من عدم خبرتهن الكافية في التكنولوجيا.

2.PNG
 

جمعت كحيل وأبو الخير مستحقاتهنّ من عملهنّ السابق ووضعنه في حلمهن، لتستطيعا نشر الحقيقة دون سياسات معينة، وليعرض الموقع كل الآراء السياسية بحيادية، فيكون موقعًا شاملًا؛ ويُسجل يوم أن صار لبوابة مكان خاص به من أسعد لحظات حياتهن.

لم يمضِ أربعة أشهر على افتتاح الموقع، ولم يكمل المكان تفاصيله بعد، لكنه صار بيتًا آخر للزميلتين، يرتبن أثاثه، وتعزل كل واحدة تفاصيله بطريقتها، تفكرأمنية بنباتاتها، تزيل ميسون الغبار عن زخرفة الأبواب، لتستقبلا العيد الأول لهنّ في المكان، دون أن تفكر إحداهن أن العيد سيغيب في أول مرة عن المكان، تفكرا في الأزهار، "كم من الوقت سنغيب، كيف سنهتم بالنبات، ماذا سنفعل عند العودة من العيد". كانت هذه الأسئلة في رأسيهما ليجيب عليه خبر في آخر اليوم، قصف برج الجوهرة "برج الصحفيين" بصاروخي استطلاع.

حتى مع ذلك الخبر، كان لدى كحيل أمل في أن يُرمَم المبنى وتعود للعمل في مكتبها، إلّا أن الاحتلال جاء بالمفاجأة فجر الأربعاء، الحادي عشر من مايو، ليقصف البرج مرة أخرى، فترك دمارًا هائلًا من الأسفل وكانت قوارير الورد البيضاء تستند على الحائط في الطابق الخامس، حتى اعتقدت ميسون أن المكتب قد يكون بخير عندما رأت صمود القوارير على الشباك.


حين فقدا حلمها 

3.PNG

حاولت ميسون وأمنية الدخول للمبنى حتى تصل إلى حلمهما، لكن الدمار الهائل في المداخل الثلاثة منعهن بداية، حتى جاء شاب وساعدهن للوصول إلى المكتب، تقول كحيل: "شعرت أن روحي تتسرب مني مع كل طابق نصل إليه بصعوبة، ما إن وصلت للمكتب حتى انقبض قلبي من شدة الخراب والدمار الذي حل به". فلم تتحمل البقاء لأكثر من دقائق في المكان، لتردد "فقدنا المبنى".

في حين راحت أمنية تبحث عن نبات الزينة وأنواع الصبار المختلفة لعلها تستطيع وضعها في الشمس بعد غيابها عن المكتب، تتمنى لو تشعل البخور للمرة الأخيرة في مكتبها، كانت هذه النباتات روح أمنية التي تعتني بها كل صباح، حتى أنها ذهبت في يوم إجازتها لتعتني بهم، تفتح الستائر، ترويهم ببعض الماء، لكن كل هذا ذهب مع انفجار الصاروخ في المبنى.

 

4.PNG
 

لم تصدق أبو الخير أبدًا أن البرج سيقصف، كانت تتابع الخبر وتحدث نفسها: "مجرد تهديد، ربما تنجح الجهود المصرية في الحصول على الهدنة قبل قصفه، لكن عبثًا، ذهب المبنى قبل أن يكتمل شيء". لم يكن تحقيق الحلم سهلًا، لقد كلّفهنّ حياتهنّ، كانت باقي رواتبهن السابقة ومستحقاتهن ونهاية الخدمة التي جمعتها الزميلتان لتحققا حلمهن، لكن الاحتلال لا يترك الأحلام تكبر في غزّة، إن مهمته الأساسية أن يترك صدى الانفجارات في كل مكان في غزّة، ومع ذلك تستمرا بالعمل على الموقع من المنزل.

وحسب أحمد الزعيم، أحد شركاء وملاك برج الجوهرة، فإن البرج بني عام 1998، من 8 طوابق في كل طابق ثمانية شقق ما بين سكنية ومؤسساتية، من طابقين بدروم مخازن ومواقف للسيارات وطابقين محلات تجارية، كما أنه مرخص ومجهز لبناء سبعة طوابق أخرى، كان يجري العمل على بنائها قبل أن تدمره قوات الاحتلال بما يقارب ستة صواريخ، مما جعل حتى فكرة ترميمه صعبة لوجود الأضرار في الأساسات والأعمدة الخرسانية، حيث انفجرت قرابة ستة صواريخ في البرج، يوم الأربعاء في الحادي عشر من أيار/مايو 2021.

البوابة 24