البوابة 24

البوابة 24

الروح بالروح تلتقي

د. محمد البوجي.jpg
د. محمد البوجي.jpg

بقلم:د. أبو بكر البوجي

كنت اسير وسط المدينة ..اللسان لا  يقترب من اذني والروح ليست هنا في قلب مدينة انقرة .. امشي الهوينى . اتفحص المارة والبسطات بما عليها من مأكولات قد لا تروق لي .شاورما أمعاء الخروف .عليها اقبال كبير .التقطت صورة ثم مشيت ..رايتها ..مال قلبي اليها ..هذه منا . روحي هبطت هنا ..انها لا تخطىء .  كثر هن الجالسات على كراسي البلدية خارج السوق . قلت .. أجري تجربة بجوارها . تمسك هاتفها وتطرق بأصابعها عليه دون ترتيب .. تبدو عليها علامات العصبية ..انها منا نحن لاغير . يبدو أنها طويلة وممتلئة . أصابع يديها وجلستها تدلان على ذلك .. وقفت بجوارها.. رفعت صوتي بهدوء ..والله انك من فلسطين . رفعت رأسها تجاهي بدهشة ..خبأت راسي عنها . قلت ان روحي لا تخطىء . قلت.. أعيد التجربة بطريقة أخرى . اقتربت منها أكثر ..نظرت اليها . بادلتني نظرة احلى . مسكت هاتفي كأنني اتكلم مع جانب اخر  وقلت .. هل صحيح أنت من فلسطين . نظرت الي وابتسمت . خلاص ..صدقت روحي . وقفت وقالت ..وهل انت ايضا من فلسطين ..ضحكت وقلت. صدقت حدس روحي . تعالي هناك على كرسي اخر ..لحقت بي .طويلة القامة ممتلئة بيضاء تبتسم  وهي مكشرة ..يبدو عليها مفاجأة اللقاء .. جلسنا على كرسي وحيدين وسط الناس ..انا فلسطيني من غزة ..قالت ..وكمان ..قلت وانت ..أيضا من غزة ..جئت الى هنا  وتاهت بي الطرق ..ضاع عنوان قريبتي .. اهلا بك ابنتي .
_ من أين في غزة 
_ من حي مشروع بيت لاهيا 
_ كمان من هناك ..يسعدك روحي كم أنت صادقة يا روحي .
_  من أين في المشروع
_ كمان بتعرف المشروع كويس 
 _ طبعا أنا ابن الحارة . أكيد أنت من شارع جامع القسام .
 _ صدقت .هناك بيتنا 
ما موقفك الان 
_ أبحث عن فندق حتى أجد قريبتي هنا في أنقرة 
_ ممكن حضرتك تكوني ضيفتنا الى حين العثور على قريبتك 
_ مع من أنت تسكن 
_ انا وزوجتي ..لا أحد معنا ..غرفتك جاهزة . اطمئني .أنت ابنتنا .نظرت اللي بعين الرضا ..ابتسمت وقالت . هذا من رضى امي أن أخرج من المعبر بسهولة وأن يرزقني الله باولاد الحلال ..تفضلي هات الشنطة . أنت عايزة تركبي تاكسي ولا دغمش . ما الدغمش هذا ..هذا حافلة صغيرة لونها أزرق . تصل كل أحياء انقرة . اسمه بالتركية .دوغلوش ..انا أسميه دغمش حتى احفظه . قالت ..اذن الى الدغمش . هاتفت زوجتي ان معي ضيفة ..ضلت الطريق تهات عن جماعتها .من غزة .وهي معي الان في الدغمش .. ردت.أهلا بها ومن معها . أهلا بريحة الوطن . 
دخلنا .. وتناولنا طعام الغداء من السمك الذي اشتريته اليوم . يبدو أن الأرواح تلاقت على حب . انسجام تام بينهن ..قالت زوجتي .. أعرف مشروع بيت لاهيا جيدا كان لنا بيت هناك . في اليوم الثاني ..قالت زوجتي ..والله البنت صيدة كويسة ..ما رايك ناخدها للولد . يعني اعجبتك . طبعا ..شفتي كيف قلبي بيعرف يصيد ..قالت مبتسمة ..عارفه كويس جاي تحكي لي .ههه.. ما بتقع الا صاحي على نظيف .  تكلمي معها . وممكن الاتصال باهلها حسب الأصول . اجتهدت مع الصبية للتعرف على قريبتها . أخدت الاسم وأجريت اتصالات مكثفة في غزة الى أن عثرت على مرادها . الان حان وقت رحيلي . يخلف عليكم .ثلاثة أيام من أجمل أيامي .. اشكركم على حسن اللقاء وكرم الضيافة . قبل أن تخرجي هاتفي قريبتك ..وأنا شخصيا أكلمها ..فعلا .. الهاتف المقابل لا يرد . مرة وثانية وثالثة ..لا يرد .يبدو انها غيرت رقم هاتفها . مشكلة ..وضعت الصبية  يدها على فهما وأخذت تبكي ..شو طلعني من غزة . أنا فكرت الحياة سهلة . خلاص رجعوني هناك .. يا ابنتي لا تقلقي أنت هنا في بيت عمك . نظرت الى زوجتي ..وقالت .. خلاص أوافق على الزواج من ابنك . رن هاتف  زوجتي ..ماما .قولي لي مبروك .. هاي صورة خطيبتي . كتبنا عند الشيخ في الجامع . كابوس يهجم على نفسي .. كابوس يخنقها . جاءت رسالة من السفارة . المطارات مغلقة .. على الجميع الالتزام بقرارات الدولة في جائحة الكورونا .. استيقظت من منامي وانا عصبي المزاج . فتحت جوالي واذا رسالة من غزة .. بدأت طائرات العدو القصف منذ منتصف الليلة .. ولا زال القصف مستمرا ..

 

البوابة 24