عاش لمن استطاع اليه سبيلا

يسر الغريسي حجازي
يسر الغريسي حجازي

بقلم:د. يسر الغريسي حجازي

عاش لمن استطاع اليه سبيلا "ستكون الحياة دائمًا صراعًا طالما هناك رجالا متعطشين للهيمنة، والسلطة، والمال. لن تكون هناك سياسة اجتماعية إذا وضعوا الناس رؤوسهم في الرمال. يجب أن تكون الحركة الاجتماعية الحقيقية حيوية، و إنسانية، وخيرا للجميع. من المفترض أن تنتج الشعوب الحقائق، وسبب الوجود، و ان تثير الضمير العام".

ما هي نوعية مجتمعاتنا؟ ما هي هويتنا و معاييرنا في الحياة؟ يتمحور السؤال حول المفهوم السائد في عالمنا و ما بعد الحداثة الحالية؟هي ان فكرة الاندماج في هذا الكون، مليئة بالتحديات الحياتية و الاجتماعية والسياسية. و يتم تحليلها علي انها في الواقع، خاصية مميزة للتجزئة في الهويات والمعايير. بالنسبة لعالم الاجتماع والفيلسوف زكمنت بومان (1990)، إن عملية الإندماج الإجتماعي في المجتمع الحديث هو بمثابة "المجتمع السائل". و تتم عملية استمراره من خلال الإطار المرجعي للاستهلاك، وتعزيز حرية الاستهلاك.

هكذا، يتم تكريس المجتمع السائل الي إدمان الاستهلاك السائل، والحب السائل، والحاضر السائل، والوقت السائل والشر السائل". و يتمتع المجتمع السائل بخصائص الزخم والتمجيد، في ايطار تمثيل المجتمعات الحديثة في الوقت الحاضر. على سبيل المثال، يحدد المجتمع السائل مزيج التسييل من المؤسسات السياسية القوية والسلطوية. انه عالم جديد مشترك بين النخبة ذات السيادة و التي تدعو إلى التماسك المجتمعي، مع إدامة عدم استقرار المجتمع وإلهائه بكل ما هو سطحي، جميل وقصير المدي. ذلك ينطبق علي البطولات النضالية التي اصبحت تخدم السائل السلطوي، وذلك من اجل بقاء الحكام في سدة الحكم. وبهذه الطريقة يتم الحفاظ على حالة "المؤقت"، وهي الصفة التي يتم بها إعلان الحرب على البشر. لدى الناس الخيار بين الهروب إلى الدول التي تشجع بناء الرأس المال البشري، أو إخضاع أنفسهم لأسيادهم و القبول بأن يكونوا المستهلكين الأبديين لهذا الحشد من السادة المتنفذين. وقد لوحظت ظاهرة الاستهلاك المفرط منذ الثمانينيات، خاصة في قطاع التجارة والتمويل وحقوق الإنسان.

في المجتمعات الاستهلاكية، يختار المجتمع السائل الاستهلاك بإرادته، كهوية ووضع اجتماعي. إنها الأسطورة التي تسود على العقل والثبات. و المستهلك في هذه الحالة لم يعد يفكر حتى لو كانت تلك المتعة مؤقتة. إنه مثل الركض وراء السعادة، تبدوا قريبة المنال و تختفي فجأة. ومع ذلك، إن الاستهلاك المفرط يصبح إدمانًا لأنه يفصلنا عن العالم الحقيقي والقيم المتأصلة.

بمجرد الوصول إلى حالة الإدمان، لم يعد من الممكن التمييز بين العقل، والصواب، والخطأ. و الجمهور السائل ينجذب نحو المجهول، والأفراح الطوباوية، والصدمات القوية التي تزعجه لأنه لا يعرف متى ستندلع ، و يخاف من تأثيرها علي حياته. إن القلق يتعلق بالأمور المالية، ومستقبل الأبناء وما يخبئه المجهول في عالم غريب الأطوار وعديم الشفقة. نحن منخرطون في دوامة نشأها التطور، وفقًا للسيكلوجية الاجتماعية المستهدفة. ومع ذلك، إن اعمال عالم النفس الأمريكي كريفس قد طورت نظرية تسمح بالتوفيق بين الطبيعة البشرية وطبيعة النضج النفسي.

من هذا المنهج، تأسست نظرية الظهور الدوري لمستويات الوجود. فهي تدعم احتمالية ان طبيعة الانسان ليست ثابتة علي الدوام، بل انها نظام مفتوح وغير مغلق. انها تدعم نظرية ان طبيعة الانسان ليست ثابتة علي الدوام، علي انها نظام مفتوح وغير مغلق. اما النظام المفتوح، فهو يتداخل باستمرار مع بيئته والنظام الديناميكي الحراري حتي عملية الاندماج، ويطبق ذلك في العلوم الطبيعية والاجتماعية (جريفس، مستوي الوجود: نظرية النظام المفتوح للقيم).

ولكن مرة أخرى، يعتبر جريفز أن البشر يتطور من خلال الأبعاد الإدراكية. هناك عاملان يؤثران على هذا التطور، بما في ذلك نوع القيود المفروضة من البيئة المحيطة. كما يضطر المجتمع إلى الاستجابة لها، وذلك من خلال المستويات التطورية للوعي. انه يتحرك من خلال دوامة تتميز بتطور المشكلات الوجودية للإنسان. يشتمل النموذج الحلزوني الديناميكي على آليات ذات قوانين، تحكم تطور الرجال والترتيبات البشرية. و يعتقد كل إنسان أنه يتفهم كل الاوضاع الموجودة، و ان لديه النظرة الصحيحة للعالم.

كما ان في دورة التغييرات، نواجه زعزعة الاستقرار وفقدان اتجاهاتنا. و تساهم تلك الاضطرابات في تقوية المخاوف وزيادة الأدرينالين لدينا، وكذلك تزيد مشاعر الخوف، والكرب، والغضب، والتوتر. يشكل اللولب ديناميكية ثابتة، وعلاقة وطيدة بين البشر وبيئاته. إن التطورات التي يستنتجونها من بعضهم البعض، تشير إلى أن النضج النفسي هو عملية تستمر مع مرور الوقت.

و كل مستوى من مستويات الوجود يجلب قيمًا عميقة. بعض القيم سطحية، بينما البعض الآخر مخفي تماما ويطغى على العديد من الحقائق. وهذا ما يفسر سبب امتلاك كل منا رؤيته الخاصة، لتصويره الخاص للعالم. يمثل الحلزون 8 مستويات من القيم المتعلقة بالتنمية البشرية، على المستوى الفردي والجماعي. في الحلزونية، سيتمكن الأفراد من التعامل مع المزيد من التعقيدات والمعلومات، والتخلص من جميع المستويات. مما يتيح الوصول إلى مجموعة واسعة من الاحتمالات ، لتوسيع وجهات نظرهم وخياراتهم في الحياة.

تلزمنا قدرتنا الآن بأن نكون جزءًا من المستهلكين أو السادة الذين يعانون من عدم الرضا الدائم. بالعودة إلى نظرية باومان للمجتمع السائل ، يتم وضع الجسم في مركز الاهتمام. ولما يكون الانسان تحت تأثير الإدمان، يتعرّض العقل باستمرار للاضطهاد من خلال مصطلح "إنتاج وتوليد المزيد من المتعة". لذلك تكشف المجتمعات السائلة عن التقسيم الطبقي الاجتماعي، والمواقف الاجتماعية مع معايير عدم اليقين في الحياة الجماعية، والمجتمعات الكبيرة المحرومة من حقوقها الأساسية والبعيدة من السياسة الاقتصادية والاجتماعية.

البوابة 24