البوابة 24

البوابة 24

إسرائيل وسياسة الأغنام والدجاج

أشرف صالح
أشرف صالح

بقلم: أشرف صالح

من أجمل الحكايات التي سمعناها منذ طفولتنا ولا زلنا نسمعها , هي حكاية الابن الذي طلب من أبيه أن يبني له بيتاً , يحكي أنه في يوم من الأيام ذهب الأبن لأبيه ليطلب منه أن يبني له بيتاً مستقلاً ليسكن فيه مع زوجته وأولاده , وذلك بدلاً من الغرفة , فلما سمع أباه هذا الطلب قال له : يا بني أمهلني شيء من الوقت كي أبني لك البيت , وفي اليوم الثاني جاء الأب الى غرفة الابن مصطحباً معه الأغنام والدجاج , وطلب من ابنه أن يضعهما في غرفته بشكل موقت , وذلك لأنه يريد تنظيف المزرعة , ووافق الابن أن يستضيف الدجاج والأغنام في غرفة نومه  رغم عن أنفه , لأنه كان  ينتظر أن يبني له أبيه بيتاً كبيراً , وغاب الأب عن أبنه أيام طويلة ولا يزال الابن ينظر أن يعود أباه ويأخذ الدجاج والأغنام من غرفته , فلما طال الانتظار ذهب الابن الى أباه متوسلاً , وطلب منه أن يأخذ الأغنام والدجاج من غرفته كي يستطيع النوم هو وزوجته وأولاده , فوافق الأب أن يأخذ الأغنام من غرفة ابنه أولاً , وتم تأجيل ملف الجاج الى المفاوضات القادمة , وهكذا استطاع الأب أن يجبر ابنه أن يفاوض على الأغنام والدجاج بدلاً من أن يفاوض على بناء البيت الجديد , بالإضافة الى أن الابن نسي أنه كان يطالب ببناء بيت , وأصبح يفاوض على إخراج الأغنام والدجاج من غرفته .

باختصار وللأسف الشديد هذه هي حكايتنا مع إسرائيل , إسرائيل تجسد شخصية الأب الذي وضع الأغنام والدجاج في غرفة ابنه كي يطالب بإخراجهما من غرفته وينسى أنه كان يطالب ببناء بيت جديد , ونحن الفلسطينيون نجسد شخصية الابن الذي نسي أنه كان يطالب ببناء بيت جديد , وأصبح يطالب بإخراج الأغنام والدجاج من غرفة نومه , وهذا بالإضافة الى الوقت المهدور في مفاوضات إخراج الأغنام والدجاج من غرفة النوم .

منذ بداية الانتفاضة الثانية وانتهاء أوسلوا , وإسرائيل تبني المستوطنات في الضفة الغربية , ليصبح الاستيطان عبارة عن ملف سياسي يتم التفاوض عليه مستقبلاً , وتنتهي الثوابت مثل حل الدولتين بالتقادم , ويصبح الانسحاب من المستوطنات من الثوابت التي سنفاوض عليها كفلسطينيين مستقبلاً .

أما غزة فمنذ حرب الفرقان مروراً بكل الأحداث والحروب , وصولاً بحرب سيف القدس , فالثوابت في المفاوضات أصبحت عبارة عن موافقة إسرائيل على بناء ما تم هدمه على يد إسرائيل , والنصيبة أن الأموال ليس من إسرائيل , وأيضاً من الثوابت أن يتم فتح المعابر بعد تسكيرها , وهي كانت مفتوحة من الأصل , وأيضاً من الثوابت عودة الصيد لما كان عليه قبل الحرب , باختصار أصبحت ثوابت المفاوضات بين غزة وإسرائيل , هي عودة الحياة كما كانت قبل حرب سيف القدس .

السؤال , لماذا فقدنا الثوابت الحقيقية وأصبحنا نفاوض على أقل القليل , والمصيبة الأكبر أن إسرائيل أحياناً ترفض هذه المفاوضات , الجواب بالتفصيل يحتاج الى مئة مقال نظراً للتراكمات والخطايا , ولكن العنوان لكل هذه التراكمات هو الانقسام .
كاتب ومحلل سياسي

البوابة 24