البوابة 24

البوابة 24

قراءة في رواية: لماذا لا تطير الكلاب؟

سعيد رمضان على
سعيد رمضان على

بقلم:سعيد رمضان على

  1. نظرة على لوحة الغلاف

 

الرواية من (258 صفحة) من إصدار دار فضاءات للنشر والتوزيع بالأردن،

خَطّ على غلافها الخارجيّ من الأسفل عنوانها المشوق بلون أصفر ( لماذا لا تطير الكلاب؟ ) وأسفله بلون أبيض اسم مؤلفها الكاتب الفلسطيني المقيم بالأمارات ( كرم نعيم صمصوم) الألوان مختلفة, ولا تحاكي لوحة الغلاف القاتمة التي تنذر بوضع نفسي مضطرب وبالموت والدمار، فاللوحة بإضاءة باهتة مركزة على سيدة فارقتها الحياة مرتدية قميص نوم وعلي جسدها أيدي غليظة ويحيط بالكل اللون الأسود، تعبيرا عن وضع سوداوي تشاؤمي، لعالم تظهر فيه مخلوقات لا تعرف إذا كانوا بشرا أم وحوشا، فالنزوات الوحشية تهاجم مظاهر الحياة الاجتماعية بعنف، وعبر عمليات الخداع والتضليل، واستخدام الدين لأغراض شخصية ، تم تدمير القيم والمبادئ الإنسانية، وهذا ما توضح في المتن.

 

2 – نظرة في العنوان

 

عنوان غريب مشوق ( لماذا لا تطير الكلاب؟ ) ولمن لم يقرأ المتن فالإجابة سهلة أو تكون بالصمت مع بسمة ساخرة، لكن هذه التسمية تخرج عن ظاهرها فتتعدّى مجرّد الإجابة البسيطة عن السؤال إلى معانِيَ أعمقَ بعد قراءة الرواية، فالعنوان الموفق بكلماته القليلة يحتوي الرواية بكاملها.

سندخل الآن للمتن حتى نصل بين الرواية وعنوانها.

 

  1. القراءة

( كان دائم البحث عن شيء يجعل منه ذلك الملهم .. ويثبت لنفسه وللناس بأنه بطل وناجح.. لا يريد أن يكون في أعين وألسنة الناس شيئا محتقرا صغير.. )

ذلك هو أسعد صاحب الطموح، و المحرك لجميع الأحداث، شخص ذكي مراوغ، ذو قدرة على خداع الناس، والخروج من أصعب المواقف مع قلبها لصالحه، لم يجد سوى الخداع لتحقيق طموحه، خداع غلفه بفكرة تدريب الكلاب على الطيران، وعندما حشر الفكرة في رأس أبو الدينار بقذف طعم الصيد " كثرة الأرباح" حصل منه على قطعة أرض ومبلغ من المال، ثم جمع عدد من الكلاب الضالة في تلك الأرض، وسرعان ما توجه إلى أخيه الأكبر الحطاب، ليقنعه بتدريب الكلاب، ثم حشر الفكرة في رأس فيحاء لتقنع زوجها الحطاب ، فالتدريب سهل وبلا تعب كالتحطيب، وهذا يعنى تفرغ زوجها ليروي ظمأها للحب، ثم أقنعها بخداع الشيخ أبو الفضل ليساعدهم في الضحك على أهل لسرقة أموالهم من خلال المشروع الوهمي.

الشخصية الذكية الثانية في الرواية هي (أبو ورقة ) شخص ذو قدرة تحليلية عالية، ولكنه شخص محبط محاط بالفشل، تقهره أفكاره السلبية عن سكان الحي، فهم في نظرة مجموعة من الجهلاء لا يقدرون الفكر ولا الفن، ويعيشون على الوهم، وقد وضع نظرية سار بموجبها في الرواية :
(أن أعيش بعزلة مع أحلامي.. يدوسني الناس بتخلفهم! أو أن أستغل جهلهم وأدوسهم محافظة على نفسي!)

لذا قام بمساعدة أسعد في مشروعة لخداع الناس، وحتى يسقط صاحب العمامة ( أبو الفضل) لأنه أكثر واحد سخرية من أفكاره.

وعندما نعود إلى لوحة الغلاف تطالعا صورة امرأة ميتة وعليها أيدى غليظة، هذه المرأة الجميلة ( فيحاء) تشبه ميدوسا الشخصية الأسطورية لدي الإغريق القدامى، وتظهر هذه الشخصيّة بصورة المرأة الجميلة التي اغتصبت في احد المعابد فحلّت عليها اللعنة ؛ وتحولت خصلات شعرها إلى أفاعٍ قبيحة، ويتحوّل الناظر إليها إلى تمثال حجري،. فهي مرتبطة بالاضطهاد، والدمار.

فيحاء تزوجت الحطاب الذي لم يشبع رغباتها, فهو يأتي للبيت منهكا وسرعان ما ينام، تاركا زوجته فريسة للحرمان، وأسعد لعب على هذا الوتر فاغتصب عقلها ومشاعرها، وتدريجيا تحولت إلى مخلوق متوحش ، خدعت زوجها، ولعبت على رجل الدين ( أبو الفضل) بورقة مزورة ، فتزوجها وهي مازالت متزوجة، واستمرت في الخداع وارتكاب المعاصي ، حتى قتلت بيد زوجها الحطاب وهي في القصر مع أبو الفضل.

صاحب العمامة أبو الفضل نفسه قتل بنفس المكان بأنياب كلب أسود صديق للحطاب، اسمه عنتر، واللون الأسود والاسم والقوة الرهيبة تحيلنا إلى سيرة عنترة في التراث العربي.

نعود إلى رجل الدين أبو الفضل، الذي عشق فيحاء ولم يستطع الحصول عليها فهاجر من الحي ، ثم عاد كرجل دين رشيد، له كلمة مسموعة في الحلال والحرام، لقد سار في طريق الهدى والرشاد، حتى غزت فيحاء حياته من جديد، فاستغل مكانته الدينية في الضلال، والخداع، وليكون صاحب سلطة، استطاع بموجبها قلب الناس على أسعد وأبو ورقة ثم يقضى عليهما، وأخيرا يلقى نهايته الرهيبة بأنياب كلب الحطاب.

الحطاب الذي عاش بين الشجر ثم بين الكلاب، رجل بسيط ذو عقل بنفس البساطة، رجل عاش طول عمره لا يعرف الشر البشري، تم استغلاله بشكل لاإنساني من قبل أقرب الناس إليه " أخوته" ثم زوجته وبشكل بشع، فانتقم بشكل مخيف، لكن حتى في انتقامه، لم يعرف الشر، لقد انفجر العذاب الذي تحمله، وتحرر من الفوضى التي عششت داخل رأسه، هذا الرجل حتى وهو يقتل زوجته كان ضحية، لكن حتى لا يفهم أنه فعل ذلك في ثورة انفعالية

نأتي بهذا المقطع من صفحة 256:

( يقترب الحطاب منها مشهرا خنجره

لطالما أعطيتك حرية الاختيار يا فيحاء!!

فهل تريدين الموت بأنياب عنتر .. أم بخنجر الحطاب؟)

لقد كان واعيا، فلا يوجد شخص في ثورة انفعاليه يطرح سؤال الاختيار.

هناك شخصيات أخرى في الرواية مثل أبو الدينار وزوجته أم الدينار، والجشع واضح من الأسماء، وقادهم هذا الجشع للوقوع في الخداع.

أما جابر فهو الذي أنقذ أهل الحي من الكلاب بقتلهم وإشعال النار فيهم. لكنه لم يفعل ذلك حبا في أهل الحى بل انتقاما لوالدته الراحلة.

عتبة خروج

الرواية بلا فصول أو لنعتبرها ذات فصل واحد، وهو بناء حديث في الرواية، ولا تعتمد على حكاية تقليدية، أو شخصية محورية، ورغم الموضوع الواحد الذي يربطها من البداية للنهاية، إلا أن لكل شخصية حكايتها، ويظهر عدم تجانسهم في المواقف والأفكار والأفعال، لكنهم جميعا وصلوا إلى الانحطاط التام، مصداقا لقوله:

" لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ "

وهم لا يستطيعون رفع انفسهم عن مقامهم المنحط، أو التحليق بأخلاقهم وأرواحهم الطيبة عاليا، كما يحلق أصحاب الأخلاق العالية الذين يملكون قلوبا طاهرة خالية من الحقد والحسد والطمع والخداع والخبث، ومن هنا يمكننا فهم العنوان فالكلاب لا تطير لأنها لا تملك أجنحة تسمح لها بالتحليق، وهذه الأجنحة هي الفضائل والأخلاق الكريمة، والعمل الصالح، لعلنا بذلك نفهم سؤال فيحاء الموجه إلى زوجها الحطاب في نهاية الرواية :

( ألم تسأل نفسك يوما.. لماذا لا تطير الكلاب؟ )

ويكون الرد:

( فاسرع نحوها راكضا .. كاتبا لحياتها نهاية بخنجره ..

طعنات تلو طعنات.. كأنه يمزق ماضيا أرهقه.. أيام سرقت منه..

صفحات فرح ما عادت موجودة ..

ويحتضنها للمرة الأخيرة ككومة من لحم طليت باللون الأحمر.. ناظرا إلى عينيها اللتين لم يغمضهما الموت..

الكلاب لا تطير يا فيحاء.. الكلاب لا تطير .. كيف لي أن اصدق أن الكلاب سوف تطير.. )

البوابة 24