تقليص الصراع ومشاريع التسوية الإسرائيلية

رياض عواد
رياض عواد

بقلم:د. رياض عبدالكريم عواد 
واصلت اسرائيل وحلفائها منذ قيامها طرح مشاريع سياسية في محاولة منها تسوية/تصفية القضية الفلسطينية. ففي عام 1953-1955، طرح وزير الخارجية الأمريكي "مشروع جونستون"، الذي استهدف توطين اللاجئين في الضفة في منطقة نهر الأردن، ولاجئي قطاع غزة في سيناء، حيث سيتم استيعاب 59 الف لاجئ في مشاريع زراعية في قطع أرض مستصلحة في سيناء تبلغ مساحتها 50.000 فدان.
في عام 1967 قدم وزير الخارجية الإسرائيلي إيغال آلون، طرحا يتضمن إقامة حكم ذاتي فلسطيني في الضفة الغربية أي المناطق التي لن تضمها "إسرائيل"، وضم قطاع غزة "لإسرائيل" بسكانه الأصليين فقط، ونقل لاجئي 1948 من هناك وتوطينهم في الضفة الغربية أو العريش.....
في أعقاب غزو لبنان 1982م، قدم الرئيس الأمريكي رونالد ريغان مشروعا لتسوية الصراع الفلسطيني  الإسرائيلي من خلال رؤيته لبناء شرق أوسط جديد وحكم ذاتي للفلسطينيين وفق اتفاقيات كامب ديفيد.
في 2003 قدمت اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا والأمم المتحدة) خطة أطلق عليها " خارطة الطريق"، حيث هدفت المبادرة إلى بدء محادثات للتوصل إلى حل نهائي وتسوية سياسية بحلول عام 2005.
في 2005 انسحب شارون من قطاع غزة دون مفاوضات مع السلطة الفلسطينية، بعد أن كان يصرح ليل نهار أن نتساريم مثل تل أبيب ولا يمكن الانسحاب منها. كان الهدف من هذا الانسحاب التخلص من الثقل السكاني في القطاع وعزله عن المسار الفلسطيني العام .
ثم كانت صفقة ترامب، صفقة القرن، والسلام الإبراهيمي في 2020.
واخيرا وليس آخرا خرج علينا احد مستشاري بينت بمشروع جديد تحت عنوان ”تقليص الصراع” مع الفلسطينيين. تقليص الصراع، مقولة جديدة تدخل إلى القاموس السياسي الإسرائيلي، وهي من إنتاج أستاذ التاريخ الإسرائيلي ميخا غودمان الذي يقوم بينيت باستشارته باستمرار، كما جاء في مقال الأستاذ وليد حباس في مدار بتاريخ 2 آب 2021.
تقوم فكرة تقليص الصراع، كما جاء في المقال المذكور اعلاه، على التقليل قدر الإمكان من كل مظاهر الاحتلال، دون تفكيكه، وتقليل الاحتكاك ما بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي والمستوطنين، بدون إنهاء السيادة الإسرائيلية على أراضي “ج”، وتقديم تسهيلات حياتية واقتصادية ملموسة. هذا من شأنه أن “يعزز الانطباع بالسيادة الفلسطينية من الناحية الرمزية ويقلل من السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين من الناحية العملية،” وبالتالي سينهي أسباب وجود صدامات شعبية أو تذمرات دبلوماسية فلسطينية. هذه التقليص الاحتكاك يمكن تحقيقه من خلال ثمانية نقاط كما نشرها غودمان في 2019 في مقال مثير للجدل في المجلة الإسرائيلية الشهرية “ليبرال (liberal)” تحت عنوان: “ثماني خطوات لتقليص الصراع”. وذكرها الأستاذ حابس في المقال المذكور اعلاه. تتلخص هذه الخطوات في: 1. ربط كل مناطق “أ” و”ب” داخل الضفة الغربية مع بعضها البعض من خلال إنشاء بنية تحتية من الشوارع السريعة والأنفاق والجسور. 2. منح مساحات إضافية للسلطة الفلسطينية تكون على أطراف القرى والمدن. 3. توسيع جسر اللنبي وتسهيل تنقل الفلسطينيين، ويقترح غودمان إضافة إلى ذلك افتتاح محطة مغادرين في الضفة الغربية تكون مرتبطة مباشرة مع مطار بن غوريون، وتسيير خط حافلات (shuttle) بينهما. 4. زيادة عدد تصاريح العمال الفلسطينيين ليصلوا إلى حوالى 400 ألف. 5. تخصيص مساحات في المنطقة “ج” لغرض إنشاء مدن صناعية. 6. ربط التجار الفلسطينيين بخطوط مباشرة مع الموانئ البحرية والجوية الإسرائيلية على نمط الخطوط اللوجستية المسماة “باب إلى باب” (Door-to-Door). 7. إلغاء اتفاقية باريس الاقتصادية التي يعتبرها الفلسطينيون بأنها إعادة إنتاج للاحتلال بأدوات اقتصادية. 8. انضمام إسرائيل إلى جهود القيادة الفلسطينية الرامية إلى الاعتراف بفلسطين كدولة في الأمم المتحدة! بيد أن اعتراف العالم يجب أن يكون اعترافا بدولة فلسطين وليس اعترافا بحدودها. هذا قد يفتح الباب لتحول السياسات الإسرائيلية من سياسات “الضم الزاحف” إلى سياسات “الانفصال الزاحف” بدون التزامات جغرافية مقيتة.
إن تقليص الصراع لدى غودمان، كما يقول السيد حباس، يختلف كليا عن مفهوم “السلام الاقتصادي” الذي كان يفسر النهج السياسي لبنيامين نتنياهو مع القضية الفلسطينية خلال العقد ونيف السابق. فعقيدة نتنياهو كانت تستند إلى زيادة السيطرة على الفلسطينيين، ومراقبتهم، والتحكم في مفاصل حياتهم من جهة، وتقديم تسهيلات اقتصادية إنعاشية من جهة أخرى. وعليه، لم يجد نتنياهو نفسه مضطرا لخوض أي عملية سياسية مع الفلسطينيين في السنوات الأخيرة. بيد أن تقليص الصراع يقوم على عقيدة نقيضة مفادها إنهاء السيطرة المباشرة على الفلسطينيين وإنهاء أي احتكاك بينهم وبين الإسرائيليين. يمكن النظر إلى “تقليص الصراع” على أنها إعادة إنتاج لرؤية موشيه ديان حول “الاحتلال الخفي” الذي كان يعني الإبقاء على هياكل الاحتلال والاستمرار في السيطرة الفعلية على الأرض ومصير السكان الفلسطينيين، بدون أن يشعر الفلسطينيون بذلك. 
أن تكرار طرح مشاريع التسوية من قبل حكومات اسرائيل المتعاقبة ومفكيرها من مختلف الايدلوجيات والاتجاهات يشير إلى مأزق دولة اسرائيل المتواصل والطويل ويثبت أن المسألة الفلسطينية مسألة وجودية لبقاء اسرائيل وأن اسرائيل غير قادرة على انهائها أو ابتلاعها رغم كل محاولاتها. لقد بات واضحا المأزق الشديد الذي وقعت فيه كل من الايدلوجيتين اليسارية واليمينية، حيث تنظر الأولى للانسحاب من أراضي 1967 بانه يهدد الأمن الإسرائيلي ولا تستطيع تنفيذه خوفا من اليمين الذي يرى في هذا كفر بواح، فيما ترى الايدلوجية اليمينية أن بقاء اسرائيل في الضفة الغربية سيحول اليهود إلى اقلية وإسرائيل إلى دولة ابارتهايد.
لم تنجح مشاريع اسرائيل السياسية السابقة في تسوية/تصفية القضية الفلسطينية كما لن تنجح هذه المشاريع حاليا او مستقبلا. ان النفخ في مثل هذه الخطط أو التخويف منها والمبالغة في خطورتها لن ينعكس بالفائدة علي شعبنا ولا قضيتنا.
الفلسطيني لا يبحث عن تحسينات حياتية واقتصادية رغم اهميتها، لكنه يبحث عن حقوق سياسية تتلخص في الحرية والاستقلال وقيام الدولة.
من الطبيعي أن يستفيد الفلسطيني، سلطة وشعبا، من أي تحسينات اقتصادية أو معيشية تضطر لاتخاذها الحكومات الإسرائيلية المختلفة تحت وهم حل الصراع أو تصفية القضية. ألم نستفيد من محاولة اسرائيل تصفية القضية من خلال تبنيها مشروع أوسلو واستطعنا من خلالها العودة إلى ارضنا في 1967 وبناء اول سلطة وطنية على الأرض الفلسطينية، هل صفيت القضية أم زادت رسوخا واشتعالا؟!
كما ليس بالضرورة التعاطي السياسي مع هذه المقترحات، فليحك الاحتلال جلده بأظافره الوسخة.
الرد الوحيد والواقعي على هذا المخطط وغيره من المشاريع التصفوية هو مواصلة وجودنا الطبيعي فوق ارضنا وصمودنا عليها وتعزيز بناء سلطتنا الوطنية في مختلف المجالات، ومواصلة التصدي لهذا الاحتلال بالمقاومة الشعبية السلمية والنضال الدبلوماسي والسياسي في مختلف دول العالم التي تتزايد فيه الحركات الشعبية الرافضة للاحتلال يوما بعد يوم، والتي توصم هذا الاحتلال بأشد وصمات العار والعنصرية، وصولا إلى تعزيز هذا الرفض للاحتلال داخل المجتمع الإسرائيلي الذي يجب أن يشعر هو كذلك بالعار نتيجة استمرار هذا الاحتلال الطويل والبشع.
أن شروط الانتصار في هذه المعركة معروفة ومكررة ولكن واحد من هذه الشروط الهامة هو مواجهة ونبذ واقصاء الأفكار المتطرفة بيننا، وتعرية أصحاب الأجندات الخارجية الذي لا يؤمنون بالمشروع الوطني، أو الذين يسوقون للالحاق والتبعية بهذا النظام أو ذاك، شرقا أو جنوبا، وفقا لمصالحهم الشخصية أو العائلية والعشائرية أو الحزبية.
.....
تنويه؛ كتب هذا المقال ارتكازا على مقال السيد وليد حابس المنشور على صفحة مركز مدار – المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلي “مدار”، 2 اب 2021.
نشرت السيدة غانية ملحيس هذا التقرير مشكورة على صفحتها.
.....
ملاحظتان 
الأولى ارجو ان تلاحظوا أن غزة ليست مذكورة في هذا المشروع وأن الانسحاب الأحادي الجانب من غزة هو تتويج لكل مخططات اسرائيل فيها.
الثانية ارجو ان تقارنوا بين مشروع جونستون 1953-1955 وما طرحه البروفيسور #زاهر_كحيل المرشح للرئاسة السلطة بخصوص تحسين الوضع الاقتصادي في قطاع غزة من خلال مصر، مشروع جونستون يبدأ بالتهجير ومشروع كحيل ينتهي بالتهجير.

 

البوابة 24