في تطور غير مسبوق، دخل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مرحلة جديدة بالكامل بعد صدور قرار تاريخي من مجلس الأمن يقضي بنشر قوة عسكرية دولية في قطاع غزة لأول مرة منذ احتلاله، وهذا التحول العميق، الذي جاء رغم معارضة تل أبيب، يفتح الباب أمام تدويل الصراع ويحد من قدرة إسرائيل على العمل بحرية كما فعلت طوال عقود.
تدويل رسمي للصراع لأول مرة في التاريخ
شهد العالم حدثًا استثنائيًا مع إعلان مجلس الأمن نشر قوة دولية داخل قطاع غزة، وهو ما اعتبرته القناة 12 الإسرائيلية “سابقة سياسية” سوف تجعل من المستحيل تقريبًا على إسرائيل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، فبعد نصف قرن من سعيها الحثيث لمنع أي تدخل خارجي مباشر، تجد إسرائيل نفسها مجبرة على قبول خطوة تعيد تشكيل مستقبل الصراع.
ويمنح القرار هيئتين دوليتين إدارة غزة مؤقتًا وهما:
- مجلس السلام ليكون بمثابة حكومة انتقالية.
- قوة الاستقرار الدولية لتكون بمثابة الجيش المؤقت.
وسوف تستمر هذه الهيئات لمدة عامين على الأقل، وربما لفترة أطول وفق تطورات الميدان والسياسة، ورغم أنها ستعمل “بتنسيق” مع إسرائيل، إلا أنها لن تتلقى منها أوامر مباشرة، مما يشير بوضوح إلى انتقال مركز الثقل من تل أبيب إلى المجتمع الدولي.
نجاح دبلوماسي لواشنطن
اعتبر مراقبون القرار انتصارًا دبلوماسيًا كبيرًا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفريقه، بقيادة جاريد كوشنر وستيف ويتكوف وسفير واشنطن لدى الأمم المتحدة مايك والز، فقد نجحت الإدارة الأمريكية في:
- صياغة قرار يحظى بأوسع دعم دولي.
- جمع الدول العربية والإسلامية خلف المبادرة.
- تحييد كلٍّ من إسرائيل والسلطة الفلسطينية عن معارضة الخطوة.
- عزل روسيا والصين، اللتين امتنعتا عن استخدام الفيتو رغم انتقادهما الحاد للقرار.
واكتفى السفير الروسي بخطاب هجومي اعتبر فيه المبادرة “حملة أمريكية محكومة بالفشل”، محذرًا من أن العالم سوف يتذكر هذا التحذير في حال تعثر التنفيذ.
نصف قرن من منع التدويل ينهار
يرى المحلل الإسرائيلي باراك رافيد أن قرار مجلس الأمن يمثل لحظة مفصلية في تاريخ الصراع، خاصة أن بنيامين نتنياهو كان دائمًا اللاعب الذي يمنع التدخل الدولي، ومع ذلك، يحدث التدويل اليوم في عهده، الأمر الذي جعله يقف أمام واقع جديد لم يستطع تغييره.
فمنذ 58 عامًا وإسرائيل تعمل على إبعاد المجتمع الدولي عن الملف الفلسطيني، لكن قرار أمس يمثّل نقطة تحول قد لا تسمح بعودة الوضع السابق.
كيف تعاملت إسرائيل مع القرار؟
لم ترغب تل أبيب مطلقًا في رؤية هذا القرار يرى النور، لكن واشنطن أوضحت أن الدول لن ترسل قواتها إلى غزة دون مرجعية أممية واضحة، وهكذا، لم يكن أمام إسرائيل سوى الامتثال.
نتنياهو الذي لطالما اعتبر قرارات مجلس الأمن “قيدًا على حرية إسرائيل العسكرية” وجد نفسه مجبَرًا، على حد وصف الإعلام الإسرائيلي، على الاستسلام لضغط ترامب، بعدما كان يرفض مجرد طرح القرار على الطاولة.
بل إن نتنياهو كان قد صرح قبل أشهر أن أي صفقة لوقف إطلاق النار أو تبادل الأسرى لن تتم إذا تطلبت تصديق مجلس الأمن، لأن ذلك سوف يقيد إسرائيل أمام حماس، لكن أمس، وتحت “جرافة ترامب” كما وصفت الصحافة العبرية، قبل القرار دون مقاومة تذكر.
تشكيك إسرائيلي في التنفيذ وانتظار للفشل
ورغم تمرير القرار، لا تزال القيادة الإسرائيلية تنظر إليه بريبة كبيرة، خاصة فيما يتعلق بقدرة القوة الدولية على:
- نزع سلاح حماس.
- فرض الاستقرار في غزة.
- تشكيل هيكل إداري جديد ناجح.
الحكومة الإسرائيلية التزمت الصمت حتى الآن، فلا ترحيب ولا رفض، لكنها تنتظر – وفق محللين – لحظة التعثر كي تطلب من واشنطن استئناف العمليات العسكرية ضد حماس، وهو طلب ليس مؤكدًا أن ترامب سوف يوافق عليه.
جدل حول بند “المسار نحو دولة فلسطينية”
أحد البنود التي أثارت ضجة سياسية داخل إسرائيل هو النص الذي يشير إلى “مسار نحو دولة فلسطينية”، فرغم أنه جاء بصيغة أضعف من قرارات سابقة، إلا أنه يمثل اعترافًا ضمنيًا بالتوجه الدولي نحو حل سياسي على حساب الهيمنة الإسرائيلية.
احتاجت إدارة ترامب هذا البند لطمأنة الدول العربية، وللاقتراب من شروط المملكة العربية السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ويبقى السؤال: هل سيكتفي السعوديون بما ورد في القرار أم سيطالبون نتنياهو بإعلان رسمي؟ هذا ما قد يكشف مع زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للبيت الأبيض، خاصة مع إعلان واشنطن تزويد الرياض بطائرات F-35 كجزء من صفقة سياسية أكبر.
سابقة قد تمتد إلى الضفة الغربية
يرى مراقبون أن قرار مجلس الأمن لا يشكل مجرد خطوة تخص غزة، بل قد يكون نموذجًا لتدخلات مشابهة مستقبلًا في الضفة الغربية، فبمجرد قبول إسرائيل بوجود قوة دولية في غزة، تصبح إمكانية توسيع النموذج إلى مناطق أخرى مطروحة على الطاولة أكثر من أي وقت مضى.
وفي المحصلة، فإن قدرة إسرائيل على التحرك بحرية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي شهدت أمس أكبر تراجع لها منذ عقود، في لحظة تحول تاريخية ستبقى آثارها لسنوات طويلة.
