فلسطين - البوابة 24
أطلق الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين، ونادي الأسير الفلسطيني اليوم الأربعاء الموافق 5-1-2022 في قاعة بلدية رام الله، رواية ( زنزانة وأكثر من حبيبة) للأسير الروائي قتيبة مسلم، بحضورِ محافظِ محافظةِ رام الله والبيرة د.ليلى غنام ممثل السيد الرئيس محمود عباس،و رئيسِ المجلس الإداري للاتحاد محمد عياد، و عضوي الأمانة العامة للاتحاد المؤرخ ،والباحث حسام أبو النصر، والشاعر جمعة الرفاعي، ورئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس، و رئيس هيئة شئون الأسرى والمحررين قدري أبو بكر، وأمين عام المكتبة الوطنية الوزير عيسى قراقع، وعضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية خالدة جرار ، وعائلة الأسير قتيبة مسلم، وجمهرة نخبوية من الحضور والشخصيات الوطنية والأدبية.
وأدار حفل إطلاق الرواية الشاعرة معالي سلمان، مرحبةً بالحضور والشخصيات القيادية للحركة الأسيرة ، وبالأسرى المحررين، معتبرة الكتابة داخل أقبية الأسر شكل من أشكال الصمود الإبداعي.
وألقى كلمة الأسير البطل قتيبة مسلم، الإعلامي سامر تيم، الذي أشاد بصمود الأسرى داخل المعتقلات الصهيونية، وبتشبثهم بحقوقهم وحق شعبهم الثابت في العودة وإقامة الدولة، وحصاد سنوات الاعتقال بحرية كاملة، فوق التراب الوطني.
وقال رئيس هيئة شئون الأسرى والمحررين قدري أبو بكر أن قضية الأسرى قضية أخلاقية ووطنية ثابتة لا حل لها سوى بحرية الأسرى جميعًا، وقدم عرضًا موجزُا عن مهام هيئة شئون الأسرى والمحررين، وتواصلها الدائم مع البواسل داخل المعتقلات، والعمل على تحسين ظروف إعتقالهم بإيصال أصواتهم للقيادة والفصائل وعموم الشعب الفلسطيني.
من جهته أكد قدورة فارس رئيس نادي الأسير الفلسطيني، على صلابة وشجاعة الأسير الفلسطيني، وصموده الأسطوري الذي قهر السجان الإسرائيلي، والأمثلة لا حصر لها، وأخرها هشام أبو هواش الذي نال حريته بعد معركة عصيبة خاضها بأمعائه الخاوية، كما تطرق إلى إبداع الحركة الأسيرة ورفع مستوى التعليم لدى الأسرى، وأن التعليم حق لا تنازل عنه مهما حاولت سلطات السجون الإسرائيلية منعه أو تسويفه.
وألقى رئيس المجلس الإداري للاتحاد محمد عياد كلمة الأمين العام الشاعر مراد السوداني بالنيابة بسبب تواجده في سوريا لأداء واجب العزاء بالشاعر الكبير المحارب خالد أبو خالد، وجاء في الكلمة :
" ما زالت رائحةُ المنديل رانخة بطيب عناق ابنها قتيبة، أقدم أسرى مدينة نابلس، الذي أمضى في سجون الاحتلال ما يزيد على ثمانية وعشرين عاماً، هي تراكم سنوات اعتقاله.
قبل ثمانية عشر عاماً عانقته والدته خضرة لأول مرّة، كانت يومها ترتدي منديلها الأبيض، ظلَّت رائحة اللقاء فوّاحة كحدائق البلاد، وبساتين الفرح، وما زالت تحتفظ بذلك المنديل الناصع الوضّاء في خزانة ملابسها، تشمُّه، تقبِّله، وتعيده مجدّداً إلى مكانه بكلّ أناةٍ وحرص، تحتفظ به في درج خاص، وكلّما دهمها الشوق والحنين إلى ابنها، تلوذ بالمنديل فتهبُّ رائحة قتيبة بكامل ألقِها وعبقِها العميم.
وكأنّ ذلك اللقاء احتشد بطاقة الزمان والمكان وتجمّد في لحظة وتكثّف، وهي تحاول تثبيت اللحظة لتحتفظ بكلّ معاني المحبّة والدفء التي فاضت عليها في ذلك العناق الأسطوري.
« قد يهون العمرُ إلاّ ساعةً
وتهونُ الأرضُ إلاّ موضعاً »..
فلحظة العناق زمن فيّاض بشلال الحنين الذي غمرها وذلك المكان الذي اتّسع فَصار كوناً وسيعاً بحجم شغفها للقاء.
الحاجّة خضرة هي كلّ أم فلسطينية، هي أم ناصر أبو حميد وكريم يونس ونائل البرغوثي، وكلّ أمهات أسرى المؤبدات، واحدة من خنساوات فلسطين اللواتي شابت قلوبهنّ وهنّ ينتظرن أبناءهنّ والسجن ينحت أعمارهم وأجسادهم.
اعتقل قتيبة مسلّم من قريته تلفيت، شرقي مدينة نابلس في 15/11/2000، كان عمرُ ابنه البكر تسعَ سنوات، تزوّج وأنجب ووالده في الأسر، إصراراً من العوائل الفلسطينية على قوّة الحياة نكاية بهذا العدوّ الذي يغيِّب أجمل الفرسان في سراديب العتمة ووحشة الزنازين.
إنّ أبا حمدي قتيبة وهو يجترح هذه السردية الذابحة، مجسِّداً واقعية الوجع لابن أخته فارس وخطيبته، التي خطّ لها رسائل الشغف واللقيا المعلّقة، والتي جسّدها أبو حمدي لتكون رواية لكلّ أسير نهب الاحتلال حياته خلف الأسلاك السوداء والرطوبة اللزجة والنسيان الثقيل، وإنما هي علامة من علامات العناد المقدّس الذي يخطّه الفلسطيني في سِفْر الثورة.
لقد سطّر أبو حمدي من خلال «زنزانة وأكثر من حبيبة» سيرة الحزن الثوري الذي يُعلي قنطرة التماسك والثبات والرسوخ في مواجهة الانكسار والانحسار والسقوط. إنها إرادة الهجوم ومواجهته المحقِّقين وزنازين الموت. إنها إرادة الحياة والثبات على ثابت فلسطين في زمن الرمل والتحوّلات الصفراء..هذه الرواية بما تفيض به من حوارية ووقائع صمود وتفاصيل الثورة بكلّ ما تحمله من نقاء وصبر وتحدٍّ ووثوقيّة وإصرار على الانتصار، إنما هي لوحة بطولة عارمة وممتدّة امتداد النضال الوطني المسوّر بالمسلكية الثورية الحقّة والإيمان بحتمية النصر.
لقد استعرض أبو حمدي في روايته تفاصيل طالما عايشناها في الانتفاضة الكبرى العام 1987، فهي رواية واقعية محمولة على الثورة بكلّ تجلّياتها وبهائها ونقائها في منازلة نقائضها، وهي احتفال بالبطولة في أسمى وأنقى تجلّياتها لتأكيد الخير العام والانتصار له ولفلسطين كفكرة وقضية جمالية.
إنه العشق الذي يملأ قلب المحارب وهو يخوض غمرات المواجهة والحرب مع العدوّ واستطالاته، العشق المحارب، والعشق الفعّال الذي يشتعل في قلب الفارس مرجلاً وهّاجاً، وأغصان ضوء ساطع وبيارق انتصار مكين.. لقد عضّ أبو حمدي على قلبه عندما تناهى إلى مسامعه خبر رحيل والده الذي لم يتمكّن من وداعه..احتمل هذه الغُمَّة الكاوية في صلابة المقاتل واقتداره.
فالعاشقُ الجيِّدُ هو المقاتلُ الجيّدُ كما قال الشاعر المحارب خالد أبو خالد.
إنّ الاتحادَ العام للكتاب والأدباء وهو يطلق هذه السردية الأليمة المعشّقة بالنضال والتضحية والفداء، إنما هو يقدِّم مدوّنةَ الأسرى الأبطال، حرّاس الضوء الذي سيفكك العتمة والنسيان وينتصر للحياة والفرح، وهذا هو صراط أسرانا القديم الذي لا حيادَ عنه. وسيبقى أدب الأسرى منارات حقٍّ وصدقٍ ونورٍ تملأُ الكونَ بعدالةِ قضيتنا التي تؤكد يوماً بعد يوم أنها تليق بأبنائها المناضلين الشرفاء الذين يجسِّدون النموذج والمثال، وسينتصرون.
***
وإلى أبي حمدي ورفاقه الميامين في عتمة الأسر: أنتم الجوهر الأسمى، وما تكتبونه بحبر العناد ومداد الصبر سيؤتي أُكلَه، لأنه ينفعُ الناس ويمكثُ في الأرض.
أيها الأسرى: فلسطين جوهرتُكم الأنقى والأبقى، وهي صراط الحقّ والحقيقة، وبوصلة الأمة نحو فجر التحرير الأكيد والانتصار المبين، فلا تَهِنوا ولا تحزنوا، وأنتم الأعلون إرادة وصبراً وثباتاً.. فاثبتوا أيها الأحرار حتى يحينَ الحين بانتصار إرادتكم على السجن والظلمة الرابخة..
وسيبقى منديل خضرة يشعُّ بطاقة الحبّ الذي يكسر أنياب الغياب والوحشة والزنزانة والظلموت..
***
لخضرة رَجْعُ المواويلِ في البالْ
وصوتُ الرجالِ على تلّة للنِّزالْ
لخضرة هذا البهاء المعلَّق فوق العلالي
وبوحُ البواريدِ في ليلِ صمتِ البلادْ
لخضرة وهي تغمِّر أوجاعنا في
غمَـــرــَات الليـــالـــــي الحـــزينــــــات
وفــــــــــي موســــــــــمٍ للحصـــــــادْ..
لخضرة دَفْــــــــق المــــــــدادِ المشعِّ
كنجــــــــــــــــــــــــــمٍ بعيــــــــــــــــــــدْ..
ومنديلهـــــا النبــــويُّ سـاعي البريدْ".
هذا وأعد الوزير عيسى قراقع قراءة نقدية للرواية تطرق خلالها إلى فلسفة الأسير الروائي، وعمق تفكيره في سرد الأحداث، والتصوير الفني للزمكان، والشخصيات الرئيسة في الرواية، كما تناول في ورقته المهمة توصية بضرورة وضع الرواية بين أيادي الباحثين والكتّاب الإبداعيين والمهتمين.
أما ورقة المناضلة جرار عن الرواية سلطت الضوء على شخصية المرأة الفلسطينية وكيف تناولها الروائي، خاصة وأنه طالبها بوضعِ حدٍّ لذكورية النضال، وجعله فعلاً مشتركاً بمستوى التساوي، والبناء على تدعيم دور المرأة في المسيرة الوطنية، وصوته الروائي هنا كان عاليًا وواضحًا ؛لأنه مؤمن بأن المرأة لا تقل كفاءةً ولا فعلاً نضاليًا عن رفيقها الرجل.
وفي نهاية اللقاء قامت لجنة التكريم المشكلة من د.ليلى غنام، ومحمد عياد وقدورة فارس و قدري أبو بكر بتقديم درعي تكريم باسم الاتحاد ونادي الأسير لوالدة الأسير الروائي قتيبة مسلم، وأخذت الصور التذكارية للحفل في أجواء متشابكة بين الحنين للأسرى والفخر والاعتزاز بما ينجزون من إبداع وصمود.
يذكر أن رواية ( زنزانة وأكثر من حبيبة) من إصدارات الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين، وتم توزيعها على الحضور في حفل إشهارها مجانًا شكلاً من أشكال الوفاء للأسير ونضال الأسرى.