بقلم بسام صالح
انتهت مباريات كاس العالم لكرة القدم، بفوز الفريق الارجنتيني على الفريق الفرنسي وبذلك عاد كأس العالم الى الارجنتين بعد ما يقارب 36 عاما، على زمن اللاعب الاسطوري مارادونا. وتمكن فريق المغرب العربي الافريقي من الحصول لاول مرة على الموقع الرابع في هذا الدوري، مثبتا حقيقة التغيير الجاري ولو ببطىء ان العالم في حركة تحول مستمرة.
واثبتت قطر قدرة رائعة في التنظيم والاعداد لمثل هذا الحدث العالمي الذي يشد انظار المشجعين في العالم اجمع، حيث تقول الاحصائيات ان المباراة النهاية تابعها ما يقارب اربعة مليار انسان في مختلف بلدان العالم. وبفضل الفرق العربية المشاركة، قطر، السعودية والمغرب، كانت فلسطين ممثلة باعلامها وبمشاعر المشاركين من العرب والمسلمين، مما اثار ممثلي وسائل اعلام الكيان المحتل رفض العرب والمسلمين اجراء اي مقابلات معهم، وهذا ما اظهرته بوضوح وسائل الاعلام العربية وجعل من مونديال قطر 2022 مهرجانا فلسطينيا عروبيا، اعاد للاذهان احساس قديم بالقومية العربية وبقضية مركزية مازالت تحتل قلوب العرب والمسلمون واحرار العالم. وان التطبيع الابراهيمي بقي وسيبقى محصورا بالاقلام السوداء التي وقعت بها، وستبقى محفوظة على الارفف، ولن تمس المشاعر القومية الشعبية في اي قطر من اقطار وطننا العربي الكبير.
في غربتنا تابعنا ايضا ما تنشره وتبثه وسائل الاعلام الايطالية خاصة والاوروبية عامة، وكنا نحاول اجراء مقارنات بين ما ينشر ويبث في وطننا العربي وما نشاهده ونسمعه في بلاد المهجر، منذ بداية مونديال قطر 2022 كان الحديث عن الفرق العربية المشاركة يتسم بالفوقية والاستعلاء خاصة بعد الخروج الفوري للفريق القطري، ولحقه الفريق السعودي، وبقى فريق المغرب يتقدم مثيرا انتباه المراقبين والمتابعين للمبارايات، بينما نادرا ما بثت وسائل الاعلام المرئية اي صورة للاعلام الفلسطينية، او نزول احد المتفرجين الى الملعب حاملا العلم الفلسطيني، ويكتفى المعلق بالقول ان هناك من حاول الدخول الى الملعب دون ذكر السبب وما يرفعه من علم. ولم تخلى التعليقات بين فترة واخرى الاشارة الى الثراء الفاحش والمبالغ التي انفقتها دولة صغيرة مثل قطر مع الثناء على المنشآت الخيالية للملاعب التي تم انشائها بايدي ومهارات العاملين الاجانب وان عشرات فقدوا حياتهم خلال العمل لينتهي التعليق بعدم احترام حقوق الانسان في هذا البلد العربي.
ومع صعود نجم الفريق العربي، ازدادت الاتهامات بانتهاكات حقوق الانسان، وربط ذلك بسؤال ذو مغزى عميق كيف وافقت اللجنة الرياضية فيفا على قبول ان تكون بطولة كاس العام في قطر؟ وبدأت تتسرب معلومات اولية عن رشاوي وفساد في المؤسسة الرياضية الدولية، بل وتعدتها لتصل الى اعضاء في البرلمان الاوروبي، الذي يتشدق بقراراته واداناته لانتهاكات حقوق الانسان خاصة البلدان العربية والاسلامية ويلتزم الصمت المتواطىء امام الكيان الصهيوني.
المعلومات الاولية الواردة من صحيفة الأعمال البلجيكية ليكو ، فإن جزءًا كبيرًا من الأموال النقدية التي تم العثور عليها في منازل المعتقلين من اعضاء البرلمان الاوروبي تقدر باجمالي - 1.5 مليون يورو - جديدة ، ولا تزال مغلفة بالبلاستيك وتم اصدارها حديثًا. و بعض هذه الأوراق النقدية طبعت في بلجيكا ، بينما لا يزال الباقي قيد الدراسة.
تعلق افتتاحية صحيفة "لوموند" االفرنسية بقلق على فقدان مصداقية البرلمان الأوروبي ، خاصة بعد أن اعتبر نفسه "قاضيًا أخلاقيًا" ضد الفساد في دول مختلفة. "عدم اهتمام البرلمان الأوروبي بالأخلاقيات وغياب الرقابة المستقلة يثير الشكوك في وجود سياسة منهجية نحو الاستحواذ على النفوذ والإفلات من العقاب" .
قضية الفساد داخل مؤسسة الاتحاد الاوروبي، شكلت ضربة عميقة لمصداقية سياسة الاتحاد، اذا ما علمنا انه في بروكسل وفي المؤسسات الاوروبية هناك 12.445 شركة ضغط مسجلة رسميا ضمن قانون تسجيل الخاص، لذلك هناك عدد هائل من "وكلاء النفوذ" الذين يتحركون بحرية كاملة في اروقة البرلمان الاوروبي. وتؤكد حقيقة أن "التحقيق البلجيكي يتسع لكن جوهر الموضوع يبقى دائمًا في بروكسل ، حيث كشفت بوابة قطر عن مدى قابلية اختراق معبد الديمقراطية الذي يشرع مصير 450 مليون مواطن للتأثيرات الخارجية".
وذكرت الوكالات أنه في الجلسة العاجلة للبرلمان الأوروبي التي انعقدت يوم الثلاثاء لمناقشة فضيحة قطر ، لم يكن هناك عمليا أي عضو في البرلمان الأوروبي. عندما طُلب منه تحديثه ، أراد رئيس الجلسة الإبقاء عليه كما هو .ومع ذلك يُكتب في المحاضر أن الجلسة تمت حتى لو لم يكن هناك من "جالس" لمتابعتها ومناقشتها، انه نفاق "أوروبي" للغاية.
وصف عضو البرلمان الأوروبي مانون أوبري كيف تم التوصل إلى قرار بشأن قطر في البرلمان الأوروبي الشهر الماضي .ذهلنا عندما تم إرسال مشروع القرار الذي اقترحته مجموعة الاشتراكيين والديمقراطيين إلينا. حيث هنأ النص، الذي كان من المفترض أن يدين انتهاكات حقوق الإنسان في قطر، مرارًا وتكرارًا على جهودها الكبيرة '' في تعزيز حقوق الإنسان ، وأكد على " الشراكة الاستراتيجية '' بين الاتحاد الأوروبي وقطر، خاصة فيما يتعلق بإمدادات الغاز الطبيعي المسال ، والتقليل من انتهاكات الحقوق. . بوجود أصدقاء مثل هؤلاء، انت لست بحاجة للأعداء؟"
التحقيق في فساد بعض اعضاء البرلمان الاوروبي، كشف المستور وازاح ورقة التوت عن النزاهة والديموقراطية الزائفة التي طالما تغنى بها الاتحاد الاوروبي، وان المال السياسي الفاسد الذي كثيرا ما تم استعماله في ما سمي بالربيع العربي اصبح اليوم في عقر دار دعاة الحرية والديموقراطية والدفاع الزائف عن حقوق الانسان، هل سنشهد قريبا تكرار لعملية الايدي النظيفة التي مرت بها ايطاليا في بداية تسعينات القرن الماضي ولكن على مستوى اوروبي هذه المرة؟