البوابة 24

البوابة 24

تصعيد رمضان..وتصريحات تصدير الأزمة

بقلم: أ. د. خالد محمد صافي

يبدو أن التصريحات المتكررة الصادرة عن الصحف العبرية حول التصعيد المحتمل بين الشعب الفلسطيني وقوات الاحتلال الصهيوني خلال شهر رمضان، هي محاولة من مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي تصدير الأزمة الداخلية باتجاه الخارج الاسرائيلي في محاولة للهروب مما تعاني منه الجبهة الداخلية من تأزم بسبب رزمة الإصلاحات القضائية التي تهدف إلى سيطرة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، وإضعافها من أجل وقف الملاحقة القضائية للفساد الممارس من قبله وقبل بعض وزرائه وعلى رأسهم أرييه درعي الذي نجحت المحكمة العليا الإسرائيلية في وقف تعيينه رسميا رغم التقارير التي تتحدث عن ممارسته لعمله سرا، وعن قرب عودته الرسمية كوزير بعد لجم وقهر المؤسسة القضائية. ولسنا هنا بصدد تحليل أركان الأزمة الداخلية القضائية الإسرائيلية ولكن ما يعنينا هو انعكاس ذلك على الشعب الفلسطيني وقضيته ونضاله وواقعه اليومي المعاش.
صحيح أن الجانب الصهيوني هو من يصعد حالة الاشتباك اليومي مع الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته، وقضيته الكلية الملتف حولها وهي قضية الأسرى، حيث يمعن بن غفير في الانقضاض على منجزاتهم التي حققوها عبر نضالات طويلة من معارك الأمعاء الخاوية. وتمعن الحكومة الصهيونية في شرعنة البؤر الاستيطانية والتصديق على مخططات حول بناء آلاف الوحدات السكنية. هذا إضافة إلى زيادة وتيرة الاقتحامات اليومية للحرم القدسي الشريف.  ولكن يبقى السؤال القائم هل ينجر الشعب الفلسطيني ومقاومته نحو ما يخطط له نتنياهو من تصدير الأزمة الداخلية في محاولة لتجميع الداخل الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني ومقاومته التي يحاول نتنياهو أن يصورها كأنها تهديد وجودي للشعب اليهودي، وبالتالي يخفف نتنياهو من احتقان الساحة الداخلية الإسرائيلية وحرف بوصلتها، بحيث يحقق أهدافه الداخلية في تمرير رزمة الإصلاح القضائي الذي يبدو في ظاهره إصلاح للقضاء ولكن في باطنه لجم وتقيد السلطة القضائية من أجل تمرير كثير من القوانيين العنصرية التي تؤكد يهودية الدولة، وتؤكد الهوية الدينية لدولة الكيان لاسيما وأن الجمهور الإسرائيلي اتجه في السنوات الأخيرة نحو اليمين المتطرف، وأصبحت هوية الدولة تتجه من الأرجحة بين العلمانية والدينية باتجاه إقامة دكتاتورية دينية يمينية فاشية تكرس كل ما هو عنصري في اسرائيل. 
   وتبدو أن هناك سيناريوهات عده بهذا الشأن أهمها:
1- تراجع نتنياهو عن معركته الداخلية مرحليا وتكتيكيا من خلال الإعلان عن تجميد خطته القضائية في محاولة امتصاص الغضب الداخلي العلماني، ولكنه هنا سيواجه بمعارضة العديد من وزرائه لاسيما وزير العدل الذي هدد بأنه سيستقيل اذا قام نتنياهو بتجميد الخطة الإصلاحية مما ينذر بتفكك ائتلافه الحكومي.
2- استمرار نتنياهو في مواجهة الأزمة الداخلية من خلال تصديرها للخارج، وجر الشعب الفلسطيني إلى مواجهة سياسة القمع الصهيوني المتواصلة، وبذلك يسعى نتنياهو من خلالها إلى لجم قادة المعارضة وسعيهم لإسقاط حكومته، وتوجيه أنظار الداخل الصهيوني نحو مزيد من القمع للشعب الفلسطيني تحت شعار حسم الصراع، وشرعنه الكتل الاستيطانية، وحسم معركة الحرم القدسي من خلال التقسيم الزماني والمكاني، وربما دغدغة عواطف الداخل اليهودي بالضم الرسمي للمنطقة ج من الضفة الغربية أو بعضا منها. 
3- قد يسعى نتنياهو إلى سيناريو ثالث باتجاه دفع الداخل الصهيوني نحو الخارج تجاه حزب الله وإيران من خلال توجيه ضربات جوية للمشروع النووي الإيراني، وبالتالي يزيد شعبيته في مواجهة قوى المعارضة الداخلية. وهذا سيناريو ضعيف إذا يمكن لنتياهو أن يواصل حربه مع إيران في سوريا وعبر مسيرات لتحقيق نجاحات صغيرة يرقع بها شعبيته التي تتراجع وفق استطلاعات الرأي. 
وهذا يجعلنا نركز أكثر على سيناريو المواجهة مع الشعب الفلسطيني، والذي يمكن التكهن به من خلال خطابات التصعيد من الجانب الصهيوني، وكأنهم يخططون لخطط سرية يجرى الإعداد لها في شهر رمضان حيث يكون الشعور الديني للشعب الفلسطيني في اوجه، وبالتالي يمكن للجانب الصهيوني إثارته باتجاه تحقيق ما يخطط له صهيونيا. وهذا يتطلب الحيطة والحذر من الجانب الفلسطيني من الانجرار نحو المخطط الصهيوني. 
   وربما على الجانب الفلسطيني أن يهدء قليلا من نفيره الديني الجياش في شهر رمضان، ويحاول مقاومة أي إجراءات استفزازية وفق سياسة عقلانية لا تنجر للمواجهة الكاملة مع الطرف الإسرائيلي، وممارسة سياسة الترقب والانتظار لما يحدث من مواجهة داخلية داخل الكيان الغاصب، ولا يمنح نتنياهو فرصة تصدير الأزمة، لاسيما وأن الأزمة الداخلية تزداد مع كل سبت جديد،  حيث تزداد المواجهات بين طرفي النزاع في الداخل اعلاميا، وسياسيا، وتزداد التجمعات المعارضة لسياسة نتنياهو حتى في مدن تعتبر محسوبة تاريخيا لحزب الليكود. 
لقد اعتبر بيرس أن الانقسام الفلسطيني هو هدية من الرب، ولذلك لماذا لا نعتبر الانقسام الداخلي والتصدع الداخلي الصهيوني هدية من الله كمسمار يدق في نعش الكيان الصهيوني، ويشكل بداية النهاية للمشروع الصهيوني، ونهاية البداية لنجاحاته وتفوقه. 
لا أعتبر أن الانهيار للكيان الصهيوني قد أصبح وشيكا كما يعتقد البعض مستندا على قراءات وتنبؤات غيبية تقوم على دراسات رقمية أحيانا، ولكن استند على فلسفة التاريخ لدى ابن خلدون التي تتحدث عن منحنى نشوء وصعود وانهيار الدول، وتبدل الفكر والأداء لدى الأجيال المختلفه، فلابد من نهاية للصعود، ولابد من نقطة بدء في منحنى الهبوط، وربما أن الأوان لذلك في الكيان الصهيوني الغاصب.

غزة
5/3/2023

البوابة 24