ما لا تعرفوه عن النكبة الفلسطينية

بقلم د.أحمد لطفي شاهين
لقد سمع العالم كله بالنكبة الفلسطينية منذ عام 1948 م , ويسمع العالم كل يوم الاحداث التي تعصف بالفلسطينيين في الارض المحتلة , وفي القدس , التي يتنازع عليها كل اصحاب الديانات السماوية الذين من المفروض ان يهتموا بما يحدث في  القدس لكنهم يتجاهلون كل ما يحدث لأن مصالحهم تنسجم مع الصهاينة  , ومالم يسمعه ولا يعرفه العالم , هو الجانب النفسي والعصبي من النكبة الفلسطينية  . حيث تعرض اجدادنا لصدمة نفسية عصبية لا يمكن لمخلوق ان يستوعبها .. 
هل يمكن ان تتخيل ان تكون مقيما في بيت او قصر وبجواره ارض كبيرة ومزرعة  فيها خيل وبقر وخراف وغنم وكل انواع الطيور وتخيل ان عندك مناحل عسل خلف بيتك في وسط حقول من البرسيم محاطة بكل الوان واشكال الزهور على شكل سياج وتخيل ان عندك عشرات اشجار النخيل والزيتون والحمضيات وكل انواع المزروعات وتعيش فيها آمناً مع اولادك وبناتك  .. وفجأة في منتصف الليل ينهار معظم بيتك فوق رأسك بفعل برميل بارود وترتفع اصوات مكبرات الصوت المرافقة للآليات العسكرية منادياً : أن على السكان الاحياء في البيت ان يتركوا البيت بدون ان يحملوا أي شيء مستسلمين رافعي ايديهم وأن يتركوا الموتى والجرحى ويخرجوا ومن يخالف ذلك يتم اعدامه بالرصاص امام اهله
 هل تخيلت ؟؟
 ثم تغادروا البيت الآمن الى ظلام مجهول.. تخيل ان تخرج من بيتك منتصف الليل مطروداً هائماً على وجهك مع زوجة وطفل وتترك شهداء من اولادك مع شهيدات من زوجاتهم مع  20 شهيداً من احفادك وتهرب تحت تأثير اطلاق النار من الرشاشات الصهيونية والبريطانية واصوات الطائرات والانفجارات وانت لا تعرف اين تذهب... وتركضوا طوال الليل الى ان ترى نور الفجر وتدرك انك وصلت الى منطقة خالية من البشر تقريبا  لا يسكنها الا اشجار الصبر والخروع والجميز ثم تجلس لتلتقط أنفاسك وانت مذهول تظن ان كل ما جرى هو كابوس وتتمنى ان تفيق منه على واقع افضل وفي نفس اليوم يتوقف عندك مندوب من الامم المتحدة يقول لك : الحمد لله على السلامة انت الآن في قطاع غزة وتفضّل هذه خيمة وبعض المعلبات وكيس من الدقيق وانك ستجلس هنا في هذا المخيم مؤقتا ..وفجأة تنظر حولك فتجد عشرات الخيام منصوبة حولك وتسمع اصوات الانين للجرحى واصوات النساء الثكلى تبكي حولك وتنتبه انك في الواقع فعلا .. انت كنت تظن انك في حلم او كابوس لكنك تنتبه فجأة انك في واقع جديد تم فرضه عليك .. تخيل الشعور في هذه اللحظة ... هل تخيلت ؟؟ هل تتخيل ان تخرج من بيتك قسراً وتنام ليلة في الشارع فجأة ؟؟ هل تتخيل ان تفقد كل ما تملك فجأة وتتحول من انسان غني يحيا بكرامة الى انسان تتصدق عليه هيئة الامم المتحدة ؟؟ هل سمحت لخيالك ان يشعر بما شعر به هؤلاء الاجداد الفلسطينيين العظماء؟؟ هل شعرت بحجم الكارثة ؟؟؟ هذا جزء بسيط مما يقال عنه النكبة الفلسطينية في عام 1948 عندما تم اعدام اكثر من 12  ألف فلسطيني ما بين رجل امرا وطفل وعجوز بالإضافة لآلاف المفقودين وتم تهجير اكثر من مليون و200  الف انسان من اكثر من 530 قرية  على يد العصابات الصهيونية  بالتعاون مع الاحتلال البريطاني .. هل تخيلت ؟؟ واكرر لك السؤال لأنني اريد منك ان تتخيل المشهد بطريقة افلام الآكشن Action Films وتتخيل كمية العذاب والمرمطة وهول الصدمة ولوعة الفقد ووجع الصمت .. فالكل جريح والكل يعاني من الموت ولا احد يستطيع ان يواسي احد ولا احد يمكنه ان يتقبل العزاء لأننا لابد ان يأتي يوم وننتقم ونقتلع هذا العدو من الارض المحتلة .. هؤلاء الاجداد الذين هاجروا فجأة استطاعوا ان يتجرعوا مرارة الهزيمة ويستوعبوا الصدمة بعد شهور وما لا تعرفوه ان مبادئ علم النفس تقول ان هذه الكارثة النفسية والعصبية التي تعرض لها هؤلاء الاجداد كفيلة بأن تصيبهم بالجنون لكنهم امتصوا الصدمة واستوعبوها وانتقلوا من القصور والاراضي والبيارات والعز والثروة الى الفقر و الخيام وطوابير الامم المتحدة والمؤسسات الدولية ورغم كل ذلك بدأوا بتعليم اولادهم واحفادهم في مدارس من الخيام ومساجد من الخيام وكان من يحمل شهادة الصف السادس الابتدائي او من يحفظ القرآن الكريم يصبح معلّماً لغيره .. وهكذا بدأ جيل النكبة في الاستعداد للعودة والتحرير والانتقام عن طريق التعليم والوعي وتوارث عهد الثأر المقدس ولذلك لم تتوقف العمليات الفدائية ابداً ولا لحظة وكان كل يوم هناك عمليات فدائية في كل مناطق الارض المحتلة وهذا الوضع من الاستنزاف استمر من عام النكبة الى هذه اللحظة اكثر من 70 سنة مضت ونحن لم نستسلم ولن نستسلم .. اكثر من سبعة عقود ونحن نقاوم بكل الاشكال وبكافة الوسائل وبأبسط الامكانيات من الحجر الى السكين الى البندقية .. اكثر من 70  سنة من النكبة ونحن نستشهد كل يوم ونتعرض للقصف كل يوم وهدم البيوت والمساجد والاستيطان وسرقة الحقول وسرقة الآثار وتخريب البيئة الفلسطينية ونحن نتوارث حلم العودة والتحرير وهذا بحد ذاته رد عملي تطبيقي على من يقولوا ان الفلسطينيين باعوا ارضهم .. كيف باع الفلسطيني ارضه وهو يعيش لاجئ في مخيمات على مرمى حجر من ارضه ؟؟ تباً لكل من يهاجم شعبنا المناضل الصابر الذي يتمسك بشعلة المقاومة بكافة الاشكال ضد الاحتلال الصهيوني .. 
ما لا يعرفه العالم كله ان التاريخ يكتبه المؤرخين بالحبر على خطوط الورق لكن الشعب الفلسطيني يكتب تاريخه بالدم على خطوط التماس في الارض المحتلة .. مالا تعرفوه ان الفلسطينيين يستبدلون احلامهم بأسماء ابنائهم فتجد ذلك الطفل اسمه وطن او تحرير او نصر او جهاد وتلك الطفلة اسمها يافا او حيفا او بيسان او ثورة او صمود .. و مؤسساتهم  بيت المقدس اوجنين او العودة او الشهداء .. جاعلين من كل تلك الاسماء احلاما تمشي على الارض وتعزز الذاكرة الفلسطينية وتثبت للعالم كله اننا لم ولن ننسى ولن نغفر ولن نقبل ان نكون في يوم من الايام خونة ولا مرتزقة وان السلام مع الاحتلال مؤقت ولا يعني الاستسلام او الخيانة.. والدليل ان ضباط وعساكر السلطة الوطنية الفلسطينية هم اول من يشتبك مع الاحتلال حاليا في أي توتر لانهم جزء اصيل من رحم هذا الشعب ولم يأتوا الا من وجع مخيمات اللجوء وتوارثوا من ابائهم واجدادهم حلم العودة والتحرير والأمل بالانتصار والانتقام من العدو الصهيوني
كلنا نعرف ان اركان الاسلام خمسة .. لكن مالا تعرفوه اننا في فلسطين نؤمن ان حب هذه الارض هو جزء من عقيدتنا ولا احد يعرف كيف ومن اين يأتي حب الارض في قلوب ابنائنا .. ويمكنني القول ان حب بلادنا ركن سادس للإسلام وهو متوارث في جيناتنا الى الحد الذي يجعلنا نؤمن ان فلسطين هي كل العالم ولذلك تجد طفل فلسطيني يعيش في استراليا او تشيلي ومولود هناك وقد لا يتكلم عربي جيدا لكنه يرفع علم فلسطين ويتظاهر اما السفارة الصهيونية ويشارك في أي فعالية ضد الاحتلال بإحساس وطني يجعل علماء الوراثة يبحثوا عن تفسير لما يحدث ويتساءلوا هل حب الوطن هو جزء من الجينات الوراثية عند الفلسطينيين ؟؟ ويكتشفوا ان ما يجري في الواقع من تصرفات الفلسطينيين في كل مكان في العالم يقول لهم نعم نحن نتوارث في جيناتنا حلم العودة والتحرير ونعشق فلسطين ونرغب في الانتقام من الاحتلال

البوابة 24