البوابة 24

البوابة 24

طفولة دفنها الاحتلال.. حكاية "تميم" توقف قلبه خوفًا من قصف العدوان

تميم داوود
تميم داوود

صرخة واحدة ثم توقف الصوت، تهتز المنازل هذه المرة بعنف وصوت القصف يعلو، ولكنه كان بعيدًا، حيث أطلقت صواريخ الاحتلال على منازل المواطنين وسط قطاع غزة، الثلاثاء، ردد محمد داوود حينها "لكن الحمد لله، نحن بخير"، وفي هذه اللحظة عانق ابنه الصغير "تميم"، الذي قفز وسقط في حضن ابيه مرتجفًا.

يقول "محمد": "كان قلب تميم ينبض بقوة، كما لو كان على وشك الخروج من بين أضلاعه، حاولت تهدئته وظننت أنه كالعادة، موجة خوف عابرة نتيجة الصوت المرعب للقصف".

لم تلتفت  صواريخ الاحتلال إلى صرخات الأطفال، من بينهم "تميم"، الطفل الصغير الذي خضع لعملية قلب مفتوح منذ ما يقرب من أربع سنوات، يضيف والده: "كان يعيش حياة طبيعية باتباع بروتوكول العلاج المحدد له بعد الجراحة وكان قلبه يتحسن، حتى جاءت هذه الضربة، ودمرت طفولته وحياته وكل أحلامنا التي رسمناها له".

2.jpg
 

تابع والده: "بعد ساعتين شعر تميم بضيق في التنفس، لذا سارعت بالتحدث مع طبيبه المختص الذي أكد لي أن هذه حالة مؤقتة وستنتهي بمجرد أن يشعر بالأمان، لكن حالته بدأت تتدهور، لذلك نقلته إلى المستشفى، وهناك انتهى به المطاف في العناية المركزة".

دقائق مرّت دهرًا على قلب والده، قبل أن يُعلن الأطباء وفاته في وقتٍ لاحق، ثقلت الكلمات على لسان الأب المكلوم على صغيره، فهو لا يعلم ما يمكنه قوله أو كيف يعبر عن ألمه ووجعه على فلذة كبده، فليس هناك أي كلمات تكفي لتعبر عن هذه المأساة الكبيرة والحزن الذي يغمر قلبه، فما كان من الأب إلا أن يردد فقط: "إن الله كاف لنا وهو خير الوكيل.. ربنا يعطينا الصبر على انفصاله وخسارتنا ".

بمجرد زيارتك لصفحة والدته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ستشاهد عبارة تعريفية واحدة: "اللهم لا تبتلينا بما لا نستطيع عليه صبرًا"، ومنشورًا قبل حوالي عام يحمل صورة "تميم" الذي تم تسجيله في روضة الأطفال، ويصاحب الصورة الكثير من كلمات حب والتمنيات بالنجاح والمستقبل السعيد الهانئ.

لا يوجد شيء أكثر قسوة وصعوبة من أن تفقد أم طفلها الذي نجا من صاروخ "خوفًا"، فالأم التي كانت تودع أبنها إلى الروضة متمنية له مستقبل هانئ، الآن توعه دون لقاء، بدون حقيبة كتبه ومقلمته وألوانه، ليس هناك ما هو أصعب من توديعه على يقين من أنه لن يعود هذه المرة.

توقف قلب "تميم" الصغير من الخوف، ولكن ظلت الآلاف من القلوب الصغيرة في حالة من الخوف المستمر الذي لا يتوقف، وهم يحدقون في سماء غزة المليئة بالطائرات من مختلف الأنواع، والتي أرسلها الاحتلال لزرع الموت والدمار بينهم، فهذه الطائرات لا تقتل الأجساد فقط بل تقتل البراءة داخلهم بأساليب وأدوات مختلفة.

ولكن لم تكن السماء وحدها من تفزع هذه الأطفال، ففي اللحظة التي ترتفع وتعلو أصوات طائرات الاستطلاع، هذه الأصوات القادرة على خلع أي قلبٍ من مكانه، تأتي طائرات الاحتلال المحملة بالنيران لتسقط على رؤوس أطفال غزة الذين لا يملكون سوى الحلم، وبعض الضحكات، وعناق أمهاتهم قبل النوم وحكاية.

يموتون بطرق مختلفة، فبعضهم لا يموت من شظايا الصواريخ فقط، بل من الخوف من أصواتها المرعبة، آخرهم "تميم" ذلك الصغير الذي كان يحلم بحياة هادئة في حضن والدته، هذا الصغير الذي لم يستطع التعبير عن خوفه من أصوات القصف التي كانت تعلوا من حوله، سوى بمغادرة هذا العالم، بعد أن صرخ "صرخته" الأخيرة هي الإعلان الوحيد عن استسلامه ومغادرته.

وكالات