في خضم التصعيد المستمر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تلوح في الأفق مؤشرات واضحة على اقتراب اتفاق تهدئة شامل في قطاع غزة، مدفوعًا بضغوط دولية، أبرزها من إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.
وتعكس هذه التطورات تغييرات جذرية في مواقف الأطراف، مما يعيد تشكيل المشهد السياسي والعسكري في المنطقة المضطربة.
تحولات جذرية في اتفاق الهدنة
تشهد المفاوضات الحالية بين حركة حماس وإسرائيل تبدلات لافتة في التعامل مع القضايا العالقة، ومن بين أبرز هذه التغيرات، المقترح الأميركي الذي نقله مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، والذي يدعو إلى دمج المرحلتين الثانية والثالثة من الاتفاق في خطوة تهدف لتجاوز العقبات المستمرة، ويعد هذا التحول قفزة نوعية في سبيل تحقيق اتفاق شامل.
ووفق تقارير القناة الثانية عشرة الإسرائيلية، أبدت إسرائيل مرونة غير مسبوقة في التعامل مع ملفات حساسة كانت تعتبر سابقًا "محظورات تفاوضية"، بما في ذلك الانسحاب من محاور استراتيجية كمنطقة نتساريم في قطاع غزة.
اقرأ أيضًا:
- وفد أمني مصري يتوجه إلى الدوحة غدا بشأن اتفاق الهدنة في غزة
- وفد قطري يتوجه إلى مصر لاستئناف المباحثات حول اتفاق الهدنة في غزة
وتأتي هذه التنازلات وسط ضغوط هائلة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من الداخل والخارج، حيث يسعى لتأمين صفقة تهدئة قبل انتهاء ولاية بايدن لتجنب مزيد من التعقيدات.
دور إدارة ترامب
لعبت إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب دورًا محوريًا في تسريع المفاوضات، حيث صرح مستشار الأمن القومي، مايك والتز، أن الشروط قد تصبح أكثر صعوبة على حماس إذا لم يتم التوقيع على الاتفاق قبل العشرين من يناير.
وهذه التصريحات، مدعومة برسائل نقلها ويتكوف خلال لقاءاته مع الأطراف المعنية، أعطت زخمًا كبيرًا للمفاوضات، حيث ركز نهج ترامب على استخدام مزيج من الضغوط الاقتصادية والسياسية مع تقديم إغراءات لحماس لتعزيز مكانتها السياسية مقابل تقديم تنازلات ملموسة.
المشهد الفلسطيني
من الجانب الفلسطيني، تواجه المفاوضات تحديات داخلية، إذ أشار أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة بغزة، حسام الدجني، إلى أربع عقبات رئيسية تعترض الاتفاق، وهي: صياغة نصوص وقف إطلاق النار، حرية حركة القوات الإسرائيلية، توقيت الانسحاب من بعض المناطق في القطاع، وملف الأسرى والجثامين.
ورغم ذلك، يرى الدجني أن الضغوط الدولية، خاصة الأميركية، دفعت الطرفين نحو مرونة أكبر، مشيرًا إلى أن زيارة مبعوث ترامب إلى قطر ونتائج اللقاءات مع حماس تظهر تطورات إيجابية قد تفضي إلى اتفاق قريب، لكن التجربة تحذر من الإفراط في التفاؤل.
من جهة أخرى، يعتبر الفلسطينيون أن مقترح دمج المراحل المختلفة للاتفاق يشكل انتصارًا دبلوماسيًا للمقاومة، حيث يضمن مسارًا واضحًا ينتهي بحل شامل بدلًا من تهدئة مؤقتة قد تؤدي إلى تجدد العنف.
التحديات الإسرائيلية
على الجانب الإسرائيلي، يواجه نتنياهو تحديات داخلية معقدة، وكشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن رئيس الوزراء عقد اجتماعات مكثفة مع وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير لتأمين دعم حكومته لصفقة التهدئة.
وتأتي هذه التحركات في ظل استطلاعات رأي أظهرت أن 75% من الإسرائيليين يفضلون اتفاقًا شاملًا ينهي العنف في غزة، مما يضع ضغوطًا إضافية على الحكومة لتقديم تنازلات ملموسة.
وإلى جانب الولايات المتحدة، لعبت دول إقليمية مثل قطر ومصر وتركيا أدوارًا رئيسية في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة.
ويرى حسام الدجني أن هذه الجهود تعكس تحولًا في التعاطي الدولي مع القضية الفلسطينية، حيث بات الهدف هو تحقيق استقرار طويل الأمد بدلًا من تهدئة مؤقتة.
وأشار إلى أن حماس تسعى لاستغلال هذه الفرصة لتكون جزءًا من الحلول الإقليمية والدولية، مع تأكيد الحركة على ضرورة التكيف مع المتغيرات العالمية.
سباق مع الزمن
مع اقتراب الموعد النهائي الذي حدده ترامب، يبدو أن الأطراف المعنية تسابق الزمن لإنجاز الاتفاق، ورغم التحديات المتبقية، فإن التطورات الأخيرة تعطي بصيص أمل في إنهاء معاناة قطاع غزة وفتح صفحة جديدة من التهدئة المشروطة.
ومع ذلك، يظل الحذر مطلوبًا، إذ أن تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي مليء بالانهيارات المفاجئة للاتفاقات، مما يجعل التفاؤل المشوب بالحذر هو العنوان الأبرز لهذه المرحلة.