كنبة على التلة


بقلم د. سلمى عراف - بيكر


كنبة على التلة
والتلة هي أرضي 
هناك جلست على كنبة عتيقة قماشها شبه ممزق
ولكنها أصيلة، صامدة، وصلبة كالصخر
لا تأبه المطر ولا وهج الشمس
لونها بني يتماها مع لون التراب الذي تحتها
فتكاد لا تفصلها عن حاضنتها 
هناك جلست أنظر الى القريب البعيد
ذاك الذي كان ملكاً لنا وصار بيد الغريب
إليه حملتني أفكاري فجالت بين طيات الذكريات
سنون من ماض جميل ممزوجة بلحظات من حاضر مرير
هناك كنا نلعب ونختبئ بين الشجيرات
ونغمض العينين ونرى كل شئ فلا تتعثر الأرجل ولا نقع 
واليوم وكل العيون مفتوحة وكأننا لا نرى أي شيء
وكأننا ننظر الى سراب
وكأن الواقع تبخر والحقائق تحورت والآمال تبعثرت
وسرعان ما أحسست بدمعة تنهمر على وجهي
فتشت عن منديل في جيبي فلم أجد
فنزلت كنقطة دافئة على يدي الباردة
أدركت في تلك اللحظة أن عالم التناقض حافز للمقاومة
فلو لم يكن لما كانت ولما كبرت لتحررنا من أحلام مارقة 
الطفولة البريئة لم تكن لتبقى 
والأطفال صاروا ضحايا لعبة الأمم
والأساور الملونة بسواعد الصغيرات تحولت لرموز مؤلمة
وجدائلهن سرعان ما تفسخت لينساب شعرهن على وجه كبر قبل الأوان
أدرت رأسي عن ذاك المكان خلف التلة 
ذلك المكان الذي كان ملكاً لنا والآن بيد الغرباء
شعرت بثقل الذكريات 
أغمضت العينين
تنفست بعمق
قررت أن أتوقف عن التفكير 
لربما لأشعر بفراغ  أو بلا شىء
لم أصمد أمام نسيان يدوم للحظات
فتحت عيني
نظرت من حولي لأستعيد المكان والزمان
فكان الزمان مضارعاً 
والمكان كنبة على تلة 
والتلة أرضي 
والكنبة موجودة
وأنا ما زلت قائمة، أجلس، أنظر، وأنتظر على خطوط التماس مع تحديات الزمن…

البوابة 24