"خُدّج" في حضّانات مشتركة.. عشرات الولادات المبكرة يوميًا بغزة!

خدج.png
خدج.png

غزة/ البوابة 24- صابرين الحرازين:

في قسم الولادة بمستشفى شهداء الأقصى وسط قطاع غزة، ترقد "روح" في حاضنةٍ صغيرة، بعيدةً عن والدتها.

تتشبث الرضيعة بالحياة رغم ولادتها قبل موعدها بشهر كامل، بوزنٍ لا يتجاوز 1.2 كيلوغرام، وتصارع من أجل البقاء بعدما وجدت نفسها فجأةً ابنةً للحرب في غزة.

والدة روح، واسمها (ريما)، تبلغ من العمر 26 عامًا، وقد كانت تنتظر مولودتها البكر على أحر من الجمر، وفي الوقت ذاته بحالةٍ من الخوف والحذر تحت أطنان المتفجرات التي كانت تلقى على غزة طوال 15 شهرًا مضت.

ما حدث خالف توقعاتها، وفاجأها المخاض قبل إعلان وقف إطلاق النار بأسبوع، وقبل موعد ولادتها بشهر! نُقلت إلى المشفى بمساعدة زوجها وعائلتها في حالةٍ صعبة، وهناك بقيت عدة أيام قبل أن يقرر لها الأطباء ولادةً قيصرية، في ظل ظروفٍ إنسانية وصحية غير موائمة.

أنجبت ريما ابنتها التي أخذت منها سريعًا، قبل أن تضمها إلى صدرها، لتنتقل إلى الحاضنة الضيقة في مشفىً آخر، بعيدٍ عنها، بسبب وزنها الضئيل، وعدم اكتمال نموها، ومكثت فيها مع خدج آخرين ولدوا قبل أوانهم.

بعدما عرفت الأم أن ابنتها تتشارك الحاضنة الضيقة مع خدج آخرين، تدهورت حالتها الصحية، "فكل شيء غير آدمي في هذه الحرب. حتى هذه الطفلة التي ولدت قبل ميعادها حرمت من أبسط حقوقها في هذه الحياة لأنها من غزة" تقول بحرقة.

وبينما يتابع "روح" والدها من خلف زجاج غرفة الحضانة، تفتقده الزوجة التي تخوض هذه التجربة لأول مرة. تلف رأسها فتجد نفسها وحيدة بينما الجميع منشغلون بهموم الحرب وتبعاتها المُرة. يحكي الزوج: "أخشى أن أفقد إحداهما أو كلتيهما، فالحرب سرقت منا الكثير، والفرحة الوحيدة التي عشناها فيها رؤية طفلتنا الجميلة".

وعانت الحوامل طوال 15 شهرًا من الإبادة، من تهديدات الولادة المبكرة، وفقدان الأجنة، أو الحياة، نتيجة الظروف الصحية، واللا إنسانية، التي رافقت الحرب، وعدم القدرة على متابعة الحمل، ونفاد الأدوية المعززة لصحة الحامل.

ووفق ما نشرته وزارة الصحة بغزة، قبل فترةٍ قصيرة، فإن حوالي 60 ألف سيدة حامل مُعرَّضة للخطر؛ بسبب انعدام الرعاية الصحية في قطاع غزة، في حين تواجه نحو 155 ألف سيدة حامل ومرضعة تحديات صعبة في الوصول والحصول على خدمات الرعاية الصحية قبل الولادة وبعدها.

من تحت الأنقاض!

مشهدٌ مأساويٌ حدث في مستشفى شهداء الأقصى قبل شهر. كان الأطباء يحاولون إيقاظ شيرين الملقاة على الأرض، التي كانت تعود إلى الوعي لتسأل عن أبنائها هل هم بخير، بعدما قصف الاحتلال منزلهم.

حاول الأطباء كثيرًا طمأنتها، بينما كانوا يحاربون من أجل إنقاذ جنينها الذي خرج معها من تحت الأنقاض. تقول: "كنت حاملًا في الشهر السابع، فقدت أصابع من يدي اليسرى، وأنجبت طفلي بعملية قيصرية في غير أوانه. كانت محاولة لإنقاذ حياته".

لا تنسى السيدة الثلاثينية المشهد، فالأطباء سيأخذونها على الفور لغرفة العمليات كي تضع طفلها، بينما طفلتها الأخرى ملقاة إلى جانبها غارقةً بدمها جريحة، وهي كذلك، تنزف من يديها الاثنتين!

تكمل: "ولدت ودخل طفلي الحاضنة المكتظة، بينما كانت تنتظره تحديات صحية ونفسية كبيرة. كان يتقاسم الهواء والأمل مع غيره من الأطفال الخدج"، مردفةً بقهر: "كان يتقاسم أنبوب تنفس مع طفل آخر في ذات الحضانة، وبقيت أنا أعاني نفسيًا من الحرب، ومن الميلاد المبكر، وصرت حبيسة التفكير بكوني أصبحت زوجة لشهيد".

وتتحدث الأخصائية النفسية نفين عبد الهادي، العاملة في مستشفى الهلال الأحمر بخان يونس، عن أن الظروف الصعبة التي مرت بها النساء الحوامل خلال الحرب، جعلت نسبة كبيرة منهن عرضة للولادة المبكرة.

وتقول: "الميلاد المبكر يضع المرأة في حالة من التوتر والقلق والضغط النفسي والجسدي، لا سيما في الفترة الأولى بعد الميلاد، بسبب الخوف على جنينها والخشية من فقدانه، وقد تعيش عزلة اجتماعية وصدمة نفسية، ناهيكم عن ضغط الحرب نفسها، وتبعات الفقدان للزوج أو العائلة، والنزوح المتكرر، وعدم الاستقرار".

وتنصح الأخصائية النفسية، الحوامل بتجنب الأعمال الشاقة، واتباع أنظمة تمارين التأمل للخروج من الضغوطات، "فالحرب لم تنته بظروفها الصعبة، ومعيشة الخيام، وحتى داخل البيوت المستصلحة. حتى بدء إعادة الإعمار ستكون الظروف صعبة للغاية، وستحتاج الحامل لدعمٍ نفسي وأسري كبير"، محذرةً من الكتمان والضغط، وعدم التفريغ العصبي بالنسبة للحوامل، "فهذا سيدفع أيضًا باتجاه عواقب لا تحمد، أولها الولادة المبكرة".

ويؤكد الدكتور رائد السعودي، رئيس قسم النساء والتوليد في مستشفى العودة، شمالي القطاع، عن زيادة كبيرة وواضحة في حالات الولادة المبكرة، نتيجة الحرب، "بسبب عوامل عديدة، منها الاضطرابات والخوف والتعب والإجهاد".

وتحدث عن حالات وصلت المشفى، ومعظمها يعمل الطاقم الطبي على إنهاء الحمل لديها مبكرًا، نتيجة معاناة الأم من ضغط الدم وتسمم الحمل؛ للحفاظ على حياة الأمهات من الخطر.

وأضاف: "تشوهات الرحم ومعاناة السيدات من ارتخاء عنق الرحم، والإجهاضات المتكررة، وزيادة العمليات القيصرية، أدت للولادات المبكرة، وبالتالي إبقاء الجنين لفترات أمان داخل الحضانات"، منوهًا إلى أن سوء التغذية ليس سببًا رئيسًا في الولادات المبكرة بغزة، "بقدر ما كان له دور في جعل الولادات أصعب، وأكثر خطرًا، كونه ينتج عنه فقر دم، وعدم توازن في مجهود السيدات أثناء الولادة، وقد يتسبب بنزيف حاد ما بعد الولادة داخل الرحم".

وأشار السعودي إلى 50 حالة ولادة مبكرة، كانت تصل يوميًا إلى العودة، مؤكدًا أن أقل من 50% من النساء كن يتابعن حملهن في قطاع غزة، في ظل غياب المنظومة الصحية والتغذوية المتكاملة.

ودعا لإدخال المكملات الغذائية والفيتامينات والمعادن الخاصة بالحوامل، ومرحلة ما بعد الميلاد، "وضرورة تباعد فترات الحمل بالنسبة للسيدات في ما بعد الهدنة، على الأقل لتجنب خطر الولادات المبكرة على الأم والجنين في آن معًا".

البوابة 24