بين حسابات نتنياهو وضغوط ترامب للتهدئة.. ما مصير وقف إطلاق النار في غزة؟

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

يرتبط مستقبل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بنتائج اللقاء المرتقب بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيث من المتوقع أن يلعب هذا اللقاء دورًا حاسمًا في تحديد مدى استمرار الاتفاق وإمكانية الانتقال إلى مرحلة ثانية من المفاوضات لم تطلق بعد.

وفيما يسعى نتنياهو لتعزيز موقفه السياسي والحفاظ على استقرار حكومته التي تواجه تحديات داخلية، تركز إدارة ترامب على إعادة ترتيب المشهد الإقليمي بما يخدم جهودها في تطبيع العلاقات مع السعودية.

لكن مع غياب أي ضمانات فعلية لصمود الاتفاق، يبقى السؤال: هل الهدنة دائمة أم أنها مجرد محطة مؤقتة في نزاع مستمر؟

ترامب يشكك في الاتفاق والضغوط تتزايد

d1b735112380756699878094bfc47b7c-88810646.jpg
 

والجدير بالإشارة أنه قبل لقائه مع نتنياهو، أعرب "ترامب" عن عدم ثقته باستمرارية وقف إطلاق النار في غزة، قائلاً: "ليس لدي أي ضمانات، لقد رأيت بعض الأشخاص الذين تعرضوا للانتهاك، ولا أستطيع الجزم بأن السلام سيستمر في القطاع".

يعكس هذا التصريح عدم التزام أمريكا بضمان استمرار التهدئة، مما يمنح نتنياهو مساحة أوسع للمناورة وفقًا لمتطلبات الوضع الداخلي في إسرائيل.

وفي هذا الإطار، كشف محرر الشؤون الإسرائيلية، نضال كناعنة، إن "إسرائيل لا تسعى حاليًا إلى حلول دائمة، لكنها تستخدم أساليب تفاوضية تهدف إلى طرح مقترحات قد تبدو غير واقعية، ولكن الهدف منها هو إظهار وجود خيارات مطروحة على الطاولة".

مما يشير إلى أن بعض الطروحات، مثل نزع سلاح حركة حماس أو إبعاد قيادتها، ليست بالضرورة خططًا قابلة للتطبيق، بل أدوات ضغط سياسي تستخدم في المفاوضات.

نتنياهو بين الضغوط الداخلية والمصالح الأميركية

أما على الجانب الداخلي، يتعرض نتنياهو لضغوطًا متزايدة من التيار اليميني المتشدد في حكومته، حيث يدعو وزراء مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش إلى استئناف العمليات العسكرية بدلاً من تمديد الهدنة.

ومن جانبه، كشف الخبير في الشؤون الأمنية والسياسية، اللواء عدنان الضميري، إن "نتنياهو يدرك أن أي تصعيد عسكري جديد قد يضع حكومته في موقف حرج، خاصة إذا أدى إلى تداعيات غير محسوبة قد تزيد الضغوط الدولية على إسرائيل".

في ظل هذه المعادلة، يظل نتنياهو نفسه عالقًا بين رغبة ترامب في الإبقاء على التهدئة تمهيدًا لصفقة إقليمية أوسع، وبين حاجته إلى إظهار القوة أمام قاعدته اليمينية لضمان بقائه السياسي.

وبحسب ما ذكره الباحث السياسي الإسرائيلي يوني بن مناحم، فإن "نتنياهو يسعى إلى تحقيق أكبر قدر من المكاسب من واشنطن دون تقديم تنازلات جوهرية، لكنه قد يجد نفسه مضطرًا إلى تقديم تنازلات مؤقتة للحفاظ على استقرار حكومته".

مقترح إبعاد قادة حماس.. واقعي أم خدعة تفاوضية؟

000_36U83T9.jpg
 

ومن أبرز السيناريوهات المطروحة ما يعرف بـ"النموذج التونسي"، الذي يتضمن إمكانية إبعاد بعض أو جميع قادة حركة حماس عن قطاع غزة، على غرار خروج قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت إلى تونس عام 1982.

إلا أن "نضال كناعنة"، يرى أن "حماس سبق أن رفضت مثل هذه المقترحات، حتى قبل اغتيال يحيى السنوار، مما يجعلها غير قابلة للتطبيق إلا إذا تعرضت الحركة لضغوط دولية استثنائية".

وعند الحصول على الموافقة لهذا الطرح، قد يواجه قادة حماس معارضة داخلية، حيث سيكون من الصعب تبرير مثل هذه الخطوة لمقاتلي الحركة وأنصارها.

وبدوره، يرجح اللواء عدنان الضميري، أن "هذا الطرح يخدم المصالح الإسرائيلية أكثر من أي جهة أخرى، حيث يسمح لها بإضعاف الهيكل القيادي لحماس دون خوض حرب طويلة الأمد، لكنه قد يؤدي إلى تعقيد المشهد إذا رفضته الحركة واعتبرته محاولة للقضاء عليها".

هل يستطيع ترامب فرض تهدئة طويلة الأمد؟

2.jpg
 

وبالرغم من أن ترامب عبر عن دعمه لمواصلة التهدئة، إلا أن موقفه لم يكن حاسمًا بما يكفي لإجبار إسرائيل على الالتزام بها، فالولايات المتحدة، رغم نفوذها الكبير، لا تستطيع فرض قرارات على إسرائيل إذا لم تكن الأخيرة مقتنعة بها.

وفي سياق متصل، لفت "يوني بن مناحم"، إلى أن "ترامب لن يمنح حماس ضمانات صريحة، لأنه يعلم أن ذلك قد يجعلها أكثر تصلبًا في المفاوضات، مما قد يعرقل أي محاولة للوصول إلى اتفاق شامل". 

مما يعني أن الإدارة الأميركية تحاول إبقاء جميع الخيارات مفتوحة، بحيث يمكن التراجع عن الهدنة إذا لم تتوافق مع مصالح واشنطن وتل أبيب الاستراتيجية.

ويجدر الإشارة إلى أن استمرار الهدنة مرتبط بالتقدم في المحادثات الأميركية السعودية بشأن التطبيع، إذ تعتبر واشنطن أن استقرار غزة جزء من مخطط أوسع لإعادة ترتيب المشهد الإقليمي وتقليل انخراطها العسكري في المنطقة.

إلى أين يتجه اتفاق غزة؟

وفقًا لهذه التطورات، يظل اتفاق وقف إطلاق النار هشًا، إذ يعتمد بقاؤه على توازنات سياسية وأمنية معقدة، فمن ناحية، يسعى ترامب للإبقاء على الهدوء من أجل تحقيق أهدافه الإقليمية، لكنه في الوقت ذاته لا يريد تقديم التزامات غير قابلة للتراجع.

وعلى الجانب الإسرائيلي، يحاول نتنياهو تحقيق مكاسب استراتيجية دون تقديم تنازلات كبيرة، بينما يواجه في الوقت نفسه ضغوطًا من الداخل تطالب بالتصعيد العسكري.

وفي المقابل، فأن حماس تدرك أن أي اتفاق يجب أن يخدم مصالحها على المدى الطويل، مما يجعلها غير مستعدة لقبول حلول قد تؤدي إلى إضعاف موقعها السياسي والعسكري.

وفي هذا الصدد، أوضح نضال كناعنة، فإن "جميع الأطراف تحاول استغلال عامل الوقت لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب قبل الانتقال إلى جولة جديدة من المفاوضات".

وبحسب هذه السيناريوهات، فإن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة قد يكون مجرد محطة مؤقتة، وليس حلًا دائمًا للصراع، مما يعني أن أي تطورات جديدة قد تعيد المشهد إلى نقطة البداية في أي لحظة.

سكاي نيوز